إعلام عبري: ديكتاتوريو الأخبار الكاذبة..نتنياهو يشنّ حرباً نفسية ضد الإسرائيليين
عن “هارتس” وترجمة “الأيم الفلسطنية”
صرخت عناوين الصحف في نهاية الأسبوع، قائلةً: إن صحيفة “بيلد” الألمانية نشرت وثيقة استراتيجية تحمل توقيع يحيى السنوار. يارون أبراهام من القناة 12، عرّف الخبر بأنه “خبر مذهل، ببساطة”، وأشار إلى أن استراتيجية “حماس” تتضمن استخدام ضغط نفسي على عائلات المخطوفين “من أجل زيادة الضغط الجماهيري على حكومة العدو”، بحسب الوثيقة.
بعد يوم واحد، وكما كان متوقعاً، تبين أن الوثيقة لا علاقة لها بالسنوار، وأن الخبر البسيط المذهل تحول إلى عنوان آخر لا يقلّ ذهولاً، بل أكثر صدقيةً بقليل: يحقق الجيش ليعرف مَن هو المسؤول عن تسريب وثائق سرية للإعلام الأجنبي، إذ جرى أيضاً التلاعب بمضمونها من أجل التأثير في الرأي العام الداخلي في إسرائيل.
لا أريد تشويش مجريات التحقيق، لكن لا حاجة إلى جهود استثنائية لاستخلاص العبر بشأن الجهة الوحيدة التي تستطيع الوصول إلى الوثائق السرية، وأيضاً لها مصلحة في تصوير الاحتجاجات ضد الحكومة على أنها خيانة تخدم “حماس”، كما أنها شخصية فاسدة لا توفر فرصة لتشويه عائلات المخطوفين بالأكاذيب المقرفة.
والدليل على ذلك أنه ما من أحد قرأ الجملة السابقة، ولم يفهم أن المقصود بنيامين نتنياهو (حتى إنه أيضاً اقتبس الخبر خلال افتتاح جلسة الحكومة، الأحد الماضي).
وإذا أضفنا إلى ذلك العلاقة الوطيدة ما بين رئيس الحكومة والصحيفة الألمانية الصفراء “بيلد” (“قصة الحب المستمرة بين نتنياهو وبيلد”، بحسب الصحافي عوفر إفرات في صحيفة “هآرتس” في سنة 2012)، فلا مهرب من الاستنتاج أن حكومة إسرائيل تستخدم الحرب النفسية الوسخة ضد مواطنيها.
في كتاب “ديكتاتوريو الأخبار الكاذبة”، الذي نُشر في سنة 2022، يتحدث الباحثان سيرغي غورييف ودانيال تريزمان عن نوع جديد من الأنظمة القمعية التي بدأت بالبروز في القرن الحالي. وبحسبهما، بعكس الديكتاتوريين في الماضي، الذين استعملوا العنف للقمع السياسي، فإن الحاليين يعززون سلطتهم بالتلاعب بالمعلومات، ويخصصون وقتهم للسيطرة المخفية على الإعلام وخلق روايات كاذبة.
فبدلاً من اعتقال المعارضين، يقوم الديكتاتور باستنزافهم بمزيد ومزيد من الأخبار الكاذبة، ويحمّلهم مسؤولية فشله، وبدلاً من التضييق على الإعلام، يمدّه بالمعلومات الكاذبة، ويستخدم صحفاً موالية تخدم حاجاته.
بهذه الطريقة، ينجح في إقناع جزء كبير من الجمهور بأنه يقوده ويقدم له معروفاً، وأن لا أحد قادر على الحلول مكانه – وفي الواقع، هو يقود دولته إلى الانهيار. وحسبما ثبت في “مذبحة” السابع من أكتوبر، والحرب المستمرة منذ ذلك الوقت – فإن سلوكاً كهذا يمكن أيضاً أن يكلفنا كثيراً من الدماء.
في هذه الأيام، نتنياهو هو ديكتاتور الأخبار الكاذبة.
لا يمكن معرفة ما إذا كان هو المسؤول عن إعطاء هذا العنوان الكاذب لصحيفة “بيلد”، لكن هذا الفعل يتماشى مع ما يفرضه نتنياهو على الرأي العام الجماهيري بالسؤال الغبي “ما الذي يُفرح السنوار”؟ هذا السؤال الذي تحوّل إلى عامل حاسم في مسار اتخاذ القرارات في إسرائيل، بدلاً من الحسابات غير المهمة، مثل حياة الناس، أو المصلحة الجماهيرية.
إذا كان علينا أن نصدق الحرب النفسية التي تشنها الحكومة علينا، فيبدو أن جميع الأمور التي تُفرح السنوار، هي كل ما يعرّض حُكم نتنياهو للخطر – صدفة مجنونة: بدءاً باحتجاجات عائلات المخطوفين، وحتى المطالبة بتقديم موعد الانتخابات.
لكن إذا وضعنا البروباغاندا والتلاعب جانباً فسنكتشف أن الحقيقة عكسية كلياً.
تتماهى مصلحة السنوار، إلى حد بعيد جداً، مع رؤية نتنياهو وشركائه في الائتلاف: استمرار القتال ما بين إسرائيل و”حماس” من دون نهاية، أو أيّ أفق سياسي، والانجرار إلى حرب متعددة الجبهات تُشعل الشرق الأوسط، وحُكم أبدي لمتطرفين من الطرفين. وهذه الحقيقة المحزنة لن تنجح أيّ حملة تأثير يقوم بها نتنياهو في اخفائها على الإطلاق.