لجنة نداء طاطا: إقليم مهمش يدفع ثمن عقود من الإهمال والتجاهل في مواجهة الكوارث والتهميش
11/10/2024
0
تحرير: جيهان مشكور
شهدت مدينة الرباط يوم الثلاثاء الماضي ندوة صحفية نظمتها لجنة نداء طاطا، التي تقود مبادرة مدنية تشمل مجموعة من النشطاء والفاعلين الحقوقيين بهدف الترافع من أجل رفع التهميش عن إقليم طاطا و عن جهة الجنوب الشرقي بصفة عامة، و التي تعرضت مؤخراً لفيضانات كارثية أدت إلى خسائر فادحة.
ركزت اللجنة على توجيه الأنظار إلى حجم المعاناة المستمرة لسكان المناطق المنكوبة، مطالبة السلطات بتدخل عاجل وشامل لمعالجة الوضع، وداعية لإعلان إقليم طاطا منطقة منكوبة.
وأكدت الناشطة الحقوقية، سارة سوجار، أن هذه الفيضانات لم تقتصر على كونها كارثة طبيعية فقط، بل كشفت عن أوجه قصور متعددة في السياسات العمومية وآليات تدبير الأزمات في المغرب، مشيرة إلى أن هذا الحدث يعكس ضعف التخطيط الحكومي واستراتيجيات التعامل مع الكوارث، ما يضع علامة استفهام كبيرة على فاعلية تلك السياسات في حماية المواطنين.
الندوة التي جاءت بدعوة من لجنة نداء طاطا، كانت جزءاً من حملة أوسع للتضامن مع ضحايا الكوارث الطبيعية، وأوضحت اللجنة أن هدفها الأساسي هو تقديم دعم مبدئي و لا مشروط للمتضررين، مع مساءلة الحكومة عن السياسات التنموية التي فشلت في حماية المناطق.
اعتبر الفاعل المدني والحقوقي قاسم البسطي، أن ما خلفته الفيضانات ليس مجرد نتيجة لظاهرة طبيعية، بل هو نتيجة تراكمات طويلة من الإهمال والتهميش الذي يعاني منه الإقليم.
وأوضح أن غياب الاستراتيجيات الفعالة لإدارة الكوارث يعكس ضعف التخطيط التنموي في البلاد.
كما كشف أن “تأسيس لجنة طاطا جاء في إطار التعريف بهذه الكارثة، وخلق مجموعة من اللقاءات مع فاعلين نقابيين وسياسيين من أجل تعبئة الفرق البرلمانية لطرح أسئلة في هذا الشأن. ولما لا طرح قانون لتدبير الكوارث يضمن لجميع المغاربة الاستفادة ما إن وقعت الكارثة”.
بدوره، أشار الأستاذ الدحماني حمد، المتخصص في القانون العام، إلى أن قانون 110-14 الذي يُفترض أن يحمي المتضررين من الكوارث، يخدم في الواقع مصالح شركات التأمين أكثر من المواطنين.
وأضاف أن المغرب، رغم توقيعه على اتفاقيات دولية مثل إطار عمل “سانداي” للأمم المتحدة، ما زال يعاني من نقص في التشريعات الوطنية التي تضمن الحماية الكافية للمتضررين، مشيرا أن لجنة نداء طاطا تسعى لتغيير هذا الواقع من خلال الترافع من أجل سد الثغرات القانونية في تدبير الكوارث الطبيعية.
و أضاف المتحدث ذاته، أن عدم وجود أنظمة إنذار مبكر وعدم تفعيل آليات التعافي السريع يزيد من تفاقم معاناة الضحايا، مطالباً بتدخل عاجل لتعويض المتضررين وحماية الموارد الطبيعية والثقافية لمنطقة طاطا، التي تعتبر جزءاً مهماً من التراث المغربي.
من جهته أكد المحامي الحبيب بن شيخ، محامي بهيئة الرباط ورئيس الجمعية الوطنية للمحامين، على أن إقليم طاطا كان يعاني من التهميش حتى قبل وقوع الفيضانات، ولفت إلى أن قانون 14-110 المتعلق بالتعويض عن الكوارث الطبيعية، ينبغي أن يُفعل بشكلٍ أكثرجدية و شمولية، وأن ضعفه استدعى تعبئة أكثر من 100 محامي و رفع دعوى قضائية بالمحكمة الإدارية لمطالبة رئيس الحكومة بالإعلان عن منطقة طاطا كمنطقة منكوبة.
في نفس السياق عبرت خديجة صرمان، إحدى ضحايا الكارثة و فاعلة مدنية، عن خيبة أملها من تعامل الحكومة مع الأزمة، حيث أن سكان طاطا يعيشون في ظروف قاسية بانتظار تدخل الدولة، ورغم جهود الجمعيات المحلية والمتطوعين، يبقى الدعم المقدم محدوداً وغير كافٍ لتلبية احتياجات السكان الذين فقدوا منازلهم ومصادر رزقهم، موضحة أن “الحكومة في طريقة تدبيرها للأزمة لا تعطي قيمة للإنسان،و لضحايا الكارثة، مؤكدة أنه و للأسف فسياسة العمومية تعتمد بالأساس على شعارات رقمية و إجابات تقنية، مطالبة بضرورة توفير الأواني والأغطية وأساسيات الحياة للسكان المتضررين.
بدوره شدد رشيد البلغيتي على أن نداء طاطا ليس سوى محاولة بسيطة للتخفيف من معاناة المتضررين، داعياً كل من يستطيع المساهمة إلى الانضمام للمبادرة.
وأضاف البلغيثي، أن الهدف الأساسي هو أن تكون اللجنة صوتاً لمن لا صوت له، وجسراً لتوصيل معاناتهم إلى المسؤولين، في مقاربة حقوقية ليس فيها أي لبس، مشيراً إلى أن هذه المبادرة عنوانها اليوم طاطا كموقع جغرافي أو الفيضانات كموضوع لكن في الحقيقة هي دينامية و ممارسة ديمقراطية تهدف إلى إشراك المجتمع في صياغة السياسات العمومية.
وأوضح المتحدث ذاته، أن إقليم طاطا يشكل جزءاً كبيراً من جهة سوس ماسة، ورغم ذلك يعاني من تهميش كبير مقارنة ببقية الأقاليم، مشيرا إلى أن مجلس الجهة خصص ميزانيات لمواجهة الفيضانات في مناطق أخرى دون الالتفات إلى حجم الكارثة في طاطا، معتبرا هذا التجاهل الرمزي والمادي دليلاً على الاستمرار في تهميش الإقليم في غياب تام للعدالة الاجتماعية والمجالية في المغرب.
و أضاف البلغيثي، رغم أن إقليم طاطا يشكل حوالي 50% من مساحة الجهة ويزخر بموارد طبيعية هائلة، إلا أنه يعاني من التهميش السياسي والاقتصادي، حيث تتلقى طاطا أضعف ميزانية مقارنة ببقية الأقاليم، وينطبق الأمر ذاته على الوكالات المعنية بتنمية الواحات، على الرغم من أن طاطا منطقة زاخرة بالواحات، كما أن البرامج الحكومية بدورها لم تعر المنطقة الاهتمام الكافي، و ما يزيد من استياء سكان طاطا هو أن هذه الكارثة ليست الأولى من نوعها، ففي التسعينيات، شهدت المنطقة فيضانات مشابهة، ولم يتم الاستجابة لمطالب السكان ببناء السدود التي كان من الممكن أن تحول دون تكرار المأساة الحالي، و لكان بالإمكان تفادي الكارثة وحفظ أرواح الناس وممتلكاتهم، ومع غياب البيانات الدقيقة حول الكارثة، يصبح التعافي أكثر صعوبة.
هذا وتعكس نتائج هذه الفيضانات المدمرة على السكان ليس فقط ضعف التدبير الحكومي للكوارث، بل أيضاً عقوداً من الإهمال والتهميش التي جعلت من طاطا نموذجاً صارخاً للمناطق المنسية في المغرب، وقد جاءت ندوة لجنة نداء طاطا، لتسليط الضوء على ضرورة تغيير السياسات العمومية وإعادة النظر في التدابير المتخذة لمواجهة الكوارث، مع التأكيد على أهمية التعاون بين مختلف الفاعلين لضمان حقوق السكان المتضررين. إن هذا التوجه نحو المرافعة عن الضحايا والمطالبة بالتعويض يمثل خطوة، أو رحلة الألف ميل التي تبدأ بالخطوة الأولى، نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية في المغرب.