أعلن بنك المغرب عن اكتشافه لما يقارب 400 مليار درهم في بيوت المغاربة، تصريح قد يكون له طابع الفكاهة أكثر من كونه معلومات اقتصادية جديرة بالاهتمام، خاصة إذا ما نظرنا إلى الأوضاع المالية والسياسية في البلاد، في ظل الفقر والبطالة والتضخم، يبدو أن التركيز على أموال الناس البسيطة يُظهر عجزًا عن مواجهة القضايا الحقيقية. إذا كان 400 مليار درهم هي كل ما وجده بنك المغرب، فماذا عن المليارات الأخرى المدفونة تحت أنقاض الفساد الإداري وسوء التسيير؟
في هذا السياق يبرز سؤال يطرح نفسه : كيف نجح بنك المغرب في رؤية هذه “الكنوز” المالية المخبأة بين الوسائد وتحت الأسرة، بينما يبدو أنه عاجز عن رؤية آلاف ملايير الدراهم المدفونة في الحسابات البنكية المهربة و المركونة في الفيلات الفخمة لمن أكلوا الأخضر واليابس؟
للإجابة عن هذا السؤال، يجب أن ننظر إلى المعطيات الموجودة في الساحة، 400 مليار درهم، رقم هائل يمكن أن يُستخدم في تمويل مشاريع تنموية، تحسين البنية التحتية، لكن، ماذا عن الأموال المدفونة في الحسابات البنكية لنخبة من الناهبين الذين يسطرون على ثروات البلاد وكأنها ملك شخصي لهم؟
الأرقام هنا تُظهر أن الأموال المودعة في الحسابات البنكية للعديد من رجال الأعمال والسياسيين تفوق بمراحل ما يتم اكتشافه في بيوت المواطنين. يبدو أن بنك المغرب يُفضل البحث في الزوايا الضيقة للبيوت بدلاً من اقتحام الفيلات و”الوفر فور الأمنة”، حيث يمكن أن تُكتشف ثروات طائلة، أو تجدها مُخبأة تحت غطاء من الكماليات والرفاهية.
و إذا كان بنك المغرب جاداً في حديثه عن الأموال، فلماذا لا ينظر إلى النهب المستمر الذي تتعرض له أموال الشعب، التهرب الضريبي و فساد الصفقات العمومية على سرير زنا السلطة و المال؟ الفيلات الفخمة والمزارع الشاسعة التي يمتلكها بعض الناهبين تُعتبر من أبرز الأعراض لمرض الفساد المستشري، كيف يمكن لبنك المغرب أن يغض النظر عن تلك الأموال المنهوبة في حين أنه يستمر في البحث عن الأموال المخفية في البيوت العادية؟ وكيف يمكن أن يتغاضى عن غسيل المال العام البادي الظاهر العلني، والذي يمكن النظر إليه بالعين المجردة.
التناقض هنا يدعو للسخرية، في الواقع، يبدو أن بنك المغرب يجيد التفتيش تحت الوسائد أكثر من تتبّع حسابات المتنفذين الذين يمتصون ثروات البلاد، فمن السهل على المواطن البسيط أن يتحول إلى المتهم الأول بامتلاك المال “النائم”، بينما الأثرياء، الذين “يستيقظ” مالهم كل يوم في البورصات العالمية والاستثمارات المشبوهة، يعيشون بأمان.
في النهاية، يُظهر هذا التصريح أن بنك المغرب، مثل العديد من المؤسسات الأخرى، بحاجة إلى إعادة النظر في أولوياته، الحديث عن الأموال في البيوت هو مجرد فقاعة تتلاشى عند أول لمسة من الواقع.
فالمطلوب هو التحرك الجاد نحو كشف الحقائق المُرة التي تحكم اقتصادنا، وإعادة الأموال إلى خزينة الدولة بدلاً من السخرية من المواطن الذي يكتوي بنار الأوضاع الحالية.