الهدوء النسبي في بحر من القلق.. شبه استقرار مؤشر ثقة الأسر المغربية في خضم الأزمات
أصدرت المندوبية السامية للتخطيط بلاغًا يحمل في طياته معطيات تعكس حالة من الهدوء النسبي في بحر من القلق حول ثقة الأسر المغربية، حيث أظهر مؤشر الثقة استقراره عند 46,2 نقطة بزيادة نصف نقطة عن الفصل السابق، وهو ما يُعدّ شبه استقرار مقارنة بالفصول السابقة، لكنه يثير تساؤلات كثيرة حول حقيقة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها الأسر.
ولعل أبرز ما ورد في البلاغ هو الاعتراف الصريح بأن 80.6% من الأسر تشهد بتدهور مستوى المعيشة خلال 12 شهرا السابقة. ولعله من باب الصدق والأمانة الصحفية أن نذكر أن 14.6% من الأسر ترى أن المعيشة استقرت، لا هي انخفضت ولا هي ارتفعت، وكأنها تسير على “السرعة البطيئة” في طريق مجهول.
فقط 4,8 في المائة من الأسر اعتبرت أن مستوى معيشتها قد تحسن، مما يضعنا أمام صورة قاتمة حيث تشير التوقعات إلى أن 56,9 في المائة من الأسر تتوقع تدهور الوضع خلال السنة المقبلة، و هو ما يعكس مدى التآكل التدريجي في قدرة الأسر على مواجهة متطلبات الحياة.
و إذا كان الاستقرار في المؤشر يُعتبر علامة إيجابية، فإن هذه الأرقام تُظهر العكس تمامًا، وكأننا في دوامة من عدم اليقين.
أما عن البطالة فقد توقعت 82,2 في المائة من الأسر ارتفاع مستوى البطالة في الأشهر المقبلة، ما يعكس يأساً متزايداً وسط التحذيرات المتزايدة من تبعات الأزمات الاقتصادية، و يضع علامات استفهام حول مدى قدرة الحكومة على معالجة هذه المشكلة العميقة.
فهذه الأرقام تبرز الشعور العام بعدم الأمان، حيث تُظهر أن الغالبية العظمى من الأسر تعيش حالة من القلق الدائم حول مستقبلها الاقتصادي.
وبينما نتجول في الأرقام الأخرى، نجد أن 78.7% من الأسر ترى أن الظروف غير ملائمة لشراء سلع مستدامة. بطبيعة الحال، من الذي يفكر في شراء ثلاجة جديدة أو تلفاز حين يكون الاقتراض أو استنزاف المدخرات هو الخيار المتاح لتغطية المصاريف اليومية؟.
على ما يبدو، السلع المستدامة أصبحت من قبيل “الكماليات” في بلد يناضل فيه معظم الناس لتغطية احتياجاتهم الأساسية.
وعلى صعيد الوضعية المالية، فقد صرحت 54,9 في المائة من الأسر أن مداخيلها تغطي مصاريفها، بينما لجأت 42,2 في المائة منها إلى استنزاف مدخراتها أو الاقتراض.
هذه الإحصائيات تدل على هشاشة الوضع المالي للأسر، حيث لم يتمكن سوى 2,9 في المائة من الأسر من ادخار جزء من مداخلها، ما يبرز أن الاستقرار هنا قد تحول إلى مرادف لتدهور دائم ومأزق اقتصادي لا ينفك يطل برأسه في كل زاوية من حياتنا اليومية.
ختاما، تُظهر المعطيات المستخلصة من البحث الذي أجرته المندوبية السامية للتخطيط أن ثقة الأسر المغربية لا تعكس بالضرورة الواقع المعيشي. فعلى الرغم من الاستقرار الظاهري للمؤشر، إلا أن الأرقام تعكس تدهورًا متزايدًا في مستوى المعيشة والقدرة الشرائية.
فهل ستظل الاسر المغربية محاصرة في دوامة من الاستقرار الزائف؟ أم أن الحكومة ستقوم بخطوات حقيقية لتغيير هذه الأوضاع؟ يبقى السؤال معلقًا، ويستدعي من الجميع التفكير بعمق في مستقبل الأسر المغربية وما يترتب عن هذه الأرقام من تداعيات اقتصادية واجتماعية. و إلى ذلك الحين نبقى مع أخبار الطقس اليوم: السماء ملبدة بغيوم التدهور الاقتصادي مع احتمال هطول مزيد من الأزمات”.