اقتصادالرئسية

فوضى كراء الإقامات السياحية عبر المنصات الرقمية.. نزيف اقتصادي و تحديات أمام تنظيم القطاع وتعزيز الرقابة

شهد المغرب في السنوات الأخيرة طفرة كبيرة في استخدام المنصات الرقمية، مثل Airbnb، لتأجير الإقامات السياحية، وقد أصبح هذا النمط من الاستثمارات يوفر دخلاً مريحاً للعديد من المواطنين ويستقطب السياح من مختلف أنحاء العالم، لا سيما في المدن السياحية الكبرى مثل مراكش، أكادير، الدار البيضاء، الصويرة، وطنجة، ولكن في ظل غياب قوانين تنظّم هذا النشاط، بدأت تبرز عدة إشكاليات اقتصادية ومالية، مما دفع جهات نيابية للاستفسار.

في هذا السياق، قدم عبد الرحمان وافا ثلاث تساؤلات أساسية للسيدة الوزيرة، تتعلق بكيفية تنظيم وتأطير نشاط كراء الإقامات السياحية عبر المنصات الرقمية، وكذلك الإجراءات التي تعتزم الوزارة اتخاذها لتعزيز الرقابة على هذه الأنشطة غير المصرح بها، لضمان تحصيل الدولة للعوائد الضريبية المستحقة بشكل قانوني وشفاف، والتي كان من الممكن أن تعزز من إيرادات الخزينة.

فرغم الأهمية الاقتصادية لهذا النشاط المتنامي، فإنه يظل خارج المنظومة الرسمية للدخل السياحي للدولة؛ إذ يقوم العديد من مالكي الوحدات السكنية المؤجرة عبر هذه المنصات بتحصيل مستحقاتهم المالية مباشرة من السياح، وغالباً بالعملات الصعبة وعبر وسائل تحويل مالية خارجية.
ونتيجة لذلك، يتمكن هؤلاء المستثمرون من الاستفادة من أرباحهم خارج النطاق الضريبي للدولة، مما يحرم الخزينة العامة من موارد مالية كان بالإمكان استغلالها لتنمية القطاع السياحي وتحسين بنيته.

ووفقا لمراسلة الموجه إلى وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، فإن قطاع كراء الإقامات السياحية عبر المنصات الرقمية أصبح نشاطاً غير منظم، يتزايد بصورة ملحوظة دون التزام بالقوانين السارية، إذ أن معظم هذه الأنشطة لا تخضع لقانون 80.14 المتعلق بالمؤسسات السياحية وأشكال الإيواء الأخرى، الذي ينص على وجوب الحصول على التراخيص القانونية، والتصريح بالنشاط، والالتزام بمعايير السلامة، ويرى العديد من المختصين أن من شأن هذا التقصير القانوني أن يؤدي إلى تبديد الملايين من الدراهم على الدولة بسبب عدم القدرة على تحصيل عائدات ضريبية من هذا النشاط الناشئ.

هذا و تناولت الرسالة الموجهة إلى وزيرة السياحة تساؤلات حول الإجراءات التي تعتزم الوزارة اتخاذها لضبط هذا القطاع حيث لوحظ أن المحاولات الرامية للحد من فوضى هذا النشاط، عبر اتخاذ تدابير محدودة في بعض المدن، لم تسفر عن نتائج ملموسة بعد، بل بقيت معظم الأنشطة غير مصرح بها ولا تخضع للمتابعة أو المحاسبة.

تشكل هذه التساؤلات دعوة ملحة لإعادة النظر في إطار قانوني وتنظيمي محكم، من شأنه أن يُسهم في إدراج أنشطة الكراء السياحي الرقمي ضمن المنظومة الاقتصادية الوطنية، وأن يضمن حقوق الدولة فيما يتعلق بالضرائب والمداخيل المالية، فمع أن هذه المنصات تمثل فرصة لتشجيع السياحة وزيادة توافد السياح، إلا أن غياب الضوابط والإجراءات القانونية يجعل منها سيفاً ذا حدين، حيث يمكن أن تضرّ بمصالح الدولة على المدى البعيد.

و تعتبر منصات كراء الإقامات السياحية الرقمية واقعا مفعولا و فرصة هامة لتطوير القطاع السياحي في المغرب، لكن هذه الفرصة لا تتحقق دون تنظيم فعّال ورقابة مشددة، الحل يكمن في تفعيل الإطار القانوني الذي يضمن تطبيق معايير السلامة، التسجيل الضريبي، وإدراج هذا النشاط ضمن المنظومة الاقتصادية الوطنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى