“دعم مشروط” يحكم على المقاولات الصحافية الصغرى والمتوسطة بالموت ويعدم التعددية
أعلن اتحاد المقاولات الصحافية الصغرى رفضه القاطع للقرار المشترك الصادر عن وزير الشباب والثقافة والتواصل والوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، والذي يحدد أسقف دعم الصحافة والنشر والتوزيع بشروط اعتبرها الاتحاد تعجيزية وغير منصفة. ورأى الاتحاد أن هذه الخطوة تعكس توجهًا واضحًا لإقصاء المقاولات الصحفية الصغرى وتعزيز الهيمنة المطلقة للمقاولات الكبرى على القطاع.
واعتبر الاتحاد أن الشروط الجديدة، التي تتضمن اشتراط كلفة إنتاج وأجور لا تقل عن 900 ألف درهم، ورقم معاملات لا يقل عن مليوني درهم، تجعل الاستفادة من الدعم العمومي مستحيلة بالنسبة لغالبية المقاولات الصحفية الصغرى، التي تعاني أصلًا من شح الموارد وضعف الإمكانيات المالية.
وأكد الاتحاد أن هذه الشروط تشكل خروجًا عن المرسوم المؤرخ في ديسمبر 2023، مما يعزز انعدام العدالة في توزيع الدعم ويضعف التنوع الإعلامي الوطني.
ولم يقتصر انتقاد الاتحاد على ذلك، بل أبدى استياءه من إدراج شركات التوزيع والطباعة التي تملكها المقاولات الكبرى ضمن المستفيدين من الدعم العمومي.
هذا ووصف الاتحاد هذا الإجراء بأنه محاولة مكشوفة لتمكين هذه الشركات من مزيد من الامتيازات، في ظل سقف دعم يصل إلى 27 مليون درهم سنويًا لكل منها، رغم أن كثيرًا من هذه الشركات تمارس أنشطة تجارية لا علاقة لها بتوزيع الصحف.
وأمام هذه المستجدات، أعلن الاتحاد مقاطعته المطلقة للدعم بصيغته الحالية، واعتبر أن ميزانية 26 مليار سنتيم المخصصة لدعم القطاع أصبحت حكرًا على المقاولات الكبرى التي تستفيد من الدعم والإعلانات العمومية وصفقات الحكومة، فيما تُقصى المقاولات الصغرى التي تشكل عماد الصحافة المستقلة.
كما طالب الجهات المسؤولة بالتراجع الفوري عن هذه الشروط المجحفة وإعادة النظر في القرار بما يضمن تكافؤ الفرص لجميع المقاولات الصحفية، مشددًا على أهمية فتح سوق الإعلانات القضائية والإشهار العمومي أمام المقاولات الصغرى لدعم استدامتها.
وأكد تمسكه بالدفاع عن حقوق هذه المقاولات باستخدام كافة الوسائل القانونية والإدارية المتاحة، بما يضمن حماية القطاع من القرارات التي تهدد تنوعه واستقلاليته.
ودعا في ختام بيانه، كافة الأطراف المعنية إلى التكاتف لمواجهة هذا القرار الذي وصفه بـ”الخطير”، مؤكدًا أن استمرار هذا التوجه يهدد مستقبل الصحافة الوطنية ويضع آلاف الصحفيين والصحفيات في مواجهة المجهول.
من جهته صرح المصطفى كنيت مدير جريدة ” كفى بريس ” الالكترونية، لجريدة “دابابريس”، أن القرار المشترك المتعلق بشروط الاستفادة من الدعم العمومي للصحافة، اعتمد على منطق الأرقام ( كتلة الأجور و رقم المعاملات السنوي)، في الوقت الذي كان يجب أن يخضع لدفتر تحملات، فيها التزامات مهنية، و ليس مالية فقط.
وأوضح المتحدث أن الغاية الحقيقية لأي دعم هي التأهيل أي تأهيل المقاولة الإعلامية، ليس في الشق المادي،بل الاساسي في شقها المهني، الذي يرتبط بأخلاق المهنة و ثوابث الأمة، وهو ما غيّبه هذا القرار، الذي لم يستحضر أن الصحافة هي عمل فكري أولا، مهمتها هي الإخبار و النقد و التحليل، و توفير المعلومة للرأي العام، و هو عمل لا ثمن له، لأن الكلمة مؤثرة و لو كانت مكتوبة على جدار حائط.
كما تأسف لكون أن هذا القرار الحكومي لم يستحضر هذا البعد، و ظل أسير النظرة المقاولتية الضيقة، التي يحكمها هاجس الحساب والأرقام، متناسيا أن الصحافي لا يبيع سلعا قابلة للاستهلاك تنتهي صلاحيتها بانتهاء تاريخ استهلاكها ، بل ينتج أفكارا و تحاليل و معطيات انطلاقا من معلومات، يكون لها وقعا في صناعة و توجيه رأي عام.
وأكد المصطفى كنيت على ان التوجه الحكومي، من خلال هذا القرار، يسعى إلى دعم مقاولات ليست بحاجة إلى الدعم بل وبعضها ملكية لرجال أعمال كبار ولهم علاقات وطيدة بالسلطة والمال.
وفي وصف دقيق رأى المصطفى كنيت أن هذا القرار المشترك، يحرم مقاولة من الدعم، و لكنه لن يوقف صحفيا عن الكتابة، لأن الصحافي الحقيقي، مشددا على الحقيقي، كالصانع التقليدي في دكان صغير، في زقاق ضيق، في مدينة عتيقة، يصنع تحفا، و ليس مقاولة تصنع أواني تُرمى بعد أول استعمال.
وأضاف قائلا: “أظن أن القرار الحكومي، الذي جاء لتعويض الدعم الاستثنائي، الذي كان ينبغي أن يتوقف بمجرد انتهاء ” حالة الطوارئ الصحية”؛ بعد ” كورونا، هو قرار حكومة، تتكون من ثلاث احزاب، و ليس قرار دولة فيها متسع للجميع، و تمتلك القدرة على الإنصاف”.
“لي عنده فيل غا نزيدوه فيلة”
يبدو أن الحكومة، من خلال سياساتها، تتجه بشكل واضح نحو تضييق الخناق على الطبقة المتوسطة والمقاولات الصغرى والمتوسطة، في تناقض صارخ مع الشعارات الداعمة للتنمية الاقتصادية والتنوع والتعددية.
فبدلًا من تمكين هذه الفئات من الوصول إلى الموارد والدعم اللازمين لمواصلة عملها في ظل الظروف الصعبة، نجد سياسات تستهدف تقويض قدرتها على الصمود، عبر شروط تعجيزية لا تأخذ بعين الاعتبار واقعها الاقتصادي الهش، بالمقابل وضدا على منطق الدعم، تتجه بسياستها للحكم على العشرات من المقاولات الصغرى والمتوسطة نحو إعلان إفلاسها.
إن هذا التوجه لا يمكن قراءته بمعزل عن نمط أوسع لسياسات تهدف إلى تركيز الموارد بيد الشركات الكبرى والطبقات المهيمنة، مما يعمق الفجوة بين النخب الاقتصادية وباقي شرائح المجتمع، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى تحفيز الابتكار ودعم التنوع الاقتصادي،
كما تعمل هذه السياسات على تقليص فرص المنافسة وخنق المبادرات الصغرى، ما يهدد بتحول الاقتصاد الوطني إلى منظومة تحتكرها قلة قليلة، على حساب مبدأ العدالة الاقتصادية والتنمية الشاملة.
إن هذا الدعم من المال العام، وبدل أن يتجه للمقاولات الصحفية الصغرى والمتوسطة التي تعاني من احتكار المقاولات الكبرى لسوق الإعلانات والإشهار ودعم اخر منبوذ لصالح الولاء والثناء على الحكومة مما يدخل في دائرة اقتصاد الريع، توجهه الحكومة لصالح مقاولات كبرى أصلا لا تعاني من الهشاشة ولا غياب الموارد.
إن هذا الدعم المقترح سيعني إغلاق مقاولات أخرى وتشريد المئات وإدخالهم للعطالة، لتنضاف هي الأخرى للمئات التي تغلق وتعلن إفلاسها بشكل مهول ودال.