السلطات تقمع مبادرة تضامنية قام بها شباب بجماعة أيت عميرة جهة سوس
تحرك شباب طموحون في دوار أحمر بجماعة أيت عميرة، متطلعين إلى تغيير واقعهم بعيدا عن انتظار المبادرات الرسمية التي غالبًا ما تظل غائبة أو غير فعالة.
هؤلاء الشبان، الذين قرروا أن يتخذوا خطوة حضارية، بدأوا بتنظيف حيهم وشارع المسجد الجديد وما حوله، في محاولة جادة لتحسين البيئة التي تعيش فيها أسرهم.
وفي خطوة تضامنية أخرى، رسموا راية “فلسطين” كرمز للعدالة وكرامة الإنسان، وكتبوا اسم حيهم على الجدران، تأكيدًا على هويتهم وانتمائهم.
إلا أن ردّ السلطات المحلية جاء مخيبًا للآمال، حيث لم يكن دعمًا أو تشجيعًا للمبادرة، بل كان قمعيًا بشكل غير مبرر.
بدلًا من أن تحظى هذه المبادرة الشعبية بالتقدير، سارعت السلطات المحلية، بقيادة المقدم وأعوان السلطة، لإزالة الراية وطمس الكتابات التي حملت اسم الحي.
هذه الخطوة أثارت استغرابًا كبيرًا بين السكان، وأثارت تساؤلات عديدة: هل أصبح تخوف السلطات المحلية من الرموز النضالية، التي تحمل معاني العدالة والكرامة، إلى هذا الحد؟ ولماذا يُعتبر التعبير السلمي عن الهوية والعمل الجماعي تهديدًا يستحق القمع بدلاً من التشجيع؟
وجاء في تدوينة ليوسف مستور من شباب خميس أيت عميرة، أن هذه الخطوة تعكس حالة من التوتر في العلاقة بين السلطات والمواطنين، حيث يبدوا أن بعض المسؤولين يرون في كل مبادرة شعبية تهديدًا لنفوذهم، حتى لو كانت هذه المبادرة تهدف إلى تحسين الوضع الاجتماعي والبيئي .
كما تساءل مستور في تدوينته عن سبب تعامل السلطات مع هذه المبادرة بمثل هذه الشدة، بينما تتجاهل المشاكل الكبرى التي يعاني منها المواطنون في المنطقة.
هذه الحادثة تفتح الباب لفهم أعمق لعلاقة السلطة بالمبادرات الشعبية ، يبدو أن بعض رموز السلطة المحلية ترى في أي فعل شعبي تهديدًا لنفوذها، حتى لو كان هذا الفعل في إطار البناء والإصلاح، فهل نحن أمام سلطة تخشى كل شيء: الرموز، الكلمات، وحتى الهوية؟
وما يفاقم غضب يوسف مستور هو التناقض الواضح في تصرفات السلطات المحلية، فبالنسبة اليه في الوقت الذي سارعت فيه هذه السلطات لإزالة راية فلسطين وطمس اسم الحي، تجاهلت تمامًا المشاكل الحقيقية التي تعاني منها المنطقة، مثل المطارح المنتشرة في الأزقة والشوارع.
كيف يمكن تفسير هذه الازدواجية في التعامل مع المواطنين؟
من المعلوم أن الكتابة على الجدران ممنوعة بالمغرب الا في الحملات الإنتخابية ، والتي تكون منظمة ومقننة باشراف وزارة الداخلية،
لكن وما يثير السخرية أن السلطات التي أظهرت سرعة وصرامة في التعامل مع مبادرة تنظيف الحي ورسم الراية الفلسطينية ، هي نفسها التي تتساهل أو تتجاهل مخالفات كبرى يرتكبها “أصحاب النفوذ”.
كيف يمكن تبرير هذا التفاوت في المعاملة؟ لماذا يُعتبر المواطن البسيط الحلقة الأضعف دائمًا؟
القضية التي أثارها يوسف مستور حول تصرف السلطات ليست مجرد راية أو اسم حيّ على جدار، بل هي انعكاس لمشكلة أعمق تتعلق بنظرة السلطة للمبادرات الشعبية.
فبدلًا من أن تكون السلطة شريكًا في البناء والتنمية، تتحول إلى عائق أمام أي تحرك شعبي، مهما كان سلميًا أو بناءً، مؤكدين بذلك خوفًا دائمًا من كل ما يحمل طابعًا جماعيًا أو رمزيًا، وكأن أي شكل من أشكال التنظيم الشعبي أو التعبير يُعتبر تهديدًا للسلطة.
ما وقع في أيت عميرة ليس استثناءً، بل يمثل ظاهرة أوسع تكشف عن أزمة في العلاقة بين السلطة والشعب في العديد من المناطق المغربية، وتلح على ضرورة إعادة النظر في كيفية تعامل السلطات مع مبادرات المواطنين.
يجب أن تكون الأولوية لمواجهة المشاكل الحقيقية التي يعاني منها المجتمع، من تدهور البنية التحتية إلى الإهمال البيئي، وصولًا إلى نقص الخدمات الأساسية، بدلًا من ملاحقة الرسوم والرموز،
يجدر بالسلطات أن تركز على محاربة الفساد والمحسوبية التي تنخر في جسد المجتمع، وأن تقدم نموذجًا يحتذى به في النزاهة والعمل الجاد، و أن تدرك أن دورها الحقيقي ليس في قمع المبادرات الشعبية، بل في تمكينها ودعمها.
ورسالة يوسف مستور واضحة :
إلى السلطات المحلية في اشتوكة آيت بها وغيرها، المواطن ليس عدوًا، والمبادرات الشعبية ليست خطرًا، الخطر الحقيقي يكمن في الاستمرار في سياسات الإقصاء والقمع التي تكرس الهوة بين الشعب والدولة، وعندما تختارون مواجهة الرموز بدلًا من مواجهة المشاكل، فإنكم بذلك تفقدون ثقة المواطن وتكرسون الإحباط في نفوس الشباب، حان الوقت لتغيير هذا النهج القمعي والعمل جنبًا إلى جنب مع المواطن لبناء مستقبل أفضل للجميع.