إعلام عبري..نتنياهو عرض “عالماً مقلوباً” في بداية شهادته!
عن “هآرتس” وترجمة “الأيام” الفلسطنية
“لا تقارَن الألعاب النارية في 4 يوليوز في الولايات المتحدة بما سيحدث هنا”، هذا ما قاله المستشار القضائي السابق للحكومة، أفيخاي ماندلبليت، للمسؤولين الكبار في وحدة “لاهاف 443″ خلال الاجتماع الذي منحهم فيه الضوء الأخضر، بعد تردّد كبير في البدء بالتحقيق في الفضيحة المعروفة بـ”الملف 2000”.
لقد عرف المستشار القضائي أنه بذلك سيفتح أبواب جهنم، وقال: “سنشهد هنا فوضى كبيرة جداً”. لكن يبدو أنه، هو أيضاً، لم يكن يتوقع أنه بعد 8 أعوام، وفي اليوم الأول لشهادة نتنياهو أمام المحكمة، ما زال رئيساً للحكومة، وسيحضر الادعاء العام إلى المحكمة بمرافقة حراسة.
مَن يعتقد أن فشل نتنياهو في وقف محاكمته دليل على قوة الديمقراطية الإسرائيلية فهو أسير الأوهام. السلطة هزمت القانون، والشرطة استولى عليها مخلّ بالقانون تمت إدانته، ووزير القضاء يزرع الفوضى ويحلم بديكتاتورية، ولا يوجد رئيس للمحكمة العليا منذ أكثر من عام.
إن مسار الانتقام الذي يقوده المتهم أثمر ثماراً سامة، رؤساء الحكومة المقبلون لن يحتاجوا إلى قانون فرنسي للحصول على الحصانة، وبدلاً من ذلك يمكنهم المتاجرة بقوتهم مع رجال الأعمال الذين يملكون الإعلام، أو أن يطلبوا من الأغنياء شراء الهدايا لهم ولزوجاتهم على شكل سيجار وإكسسوارات، في هذه الظروف فإن وقوف نتنياهو أمام محكمة الاستئناف في تل أبيب هو في الأساس صُوري.
في الوقت الذي تظاهر داعمو المتهم خارج المحكمة ضد “المنظمة الإجرامية التابعة للنيابة العامة”، دخلت تالي غوتليب بصوتها المرتفع إلى القاعة 201، وأعلنت أن نتنياهو كان سيوفر على نفسه هذا الموقف، لو استمع إليها واستعمل الحصانة.
والجنود أمير أوحانا وميري ريغف وعيديت سيلمان وماي غولان وبوعاز بيسموت فضّلوا الدخول إلى القاعة الموجودة تحت الأرض، بدلاً من مكاتبهم البرلمانية، أو بيوت عائلات المخطوفين، أو المقابر.
لم يكن لديهم الجرأة للتصرف على هذا النحو في الأيام التي تلت 7 أكتوبر، لكن، بعد عودة الحياة، بات يتوجب عليهم المشاركة في جهود عبادة الشخص المخزية، وكجزء من الدين للقاعدة الشعبية.
قال أحد الموجودين، إن “وزير الدفاع لم يحضر”، وقال آخر من الذين يلبسون الكمامات، “ولا حتى السابق”، بعد أن تذكّر يوآف غالانت. وعندما دخل نتنياهو إلى القاعة، اقترب من كل الموجودين وألقى عليهم التحية، ولم يتسع المكان لبعض الوزراء وأعضاء الكنيست، ولم تبدأ المحاكمة إلّا بعد أن خرج كلٌّ من نيسيم فاتوري وألموغ كوهين.
في بداية الشهادة، وصف نتنياهو نفسه، كالمعتاد، بأنه ضحية عصابة يسارية إعلامية عدائية، تقوم بما تأمرها به الشرطة والنيابة العامة، وكلاهما كان سيحمله على الأكتاف، لو أنه فقط وافق على العودة إلى حدود سنة 1967.
لقد أطال الحديث عن صراعاته مع باراك أوباما وإيران، وادّعى أنه أحد أكثر الأشخاص المحاطين بالحراسة في العالم، إلى جانب رئيس الولايات المتحدة والبابا.
هذا التضخيم الذاتي إلى مستوى قائد قوة عظمى لم ينبع فقط من الجانب الشخصي الثابت لديه الذي لا يمكن السيطرة عليه، بل أيضاً لأن هدفه الأساسي كان تقزيم الأحداث الموصوفة في لائحة الاتهام، وطرحها كقضايا هامشية لا تُرى بالعين المجردة.
الرجل الذي كان يخرج من اجتماع “الكابينت” عندما يريده أرنون ميلتشين، وخصص عشرات الساعات للمفاوضات السرية مع مالك صحيفة “يديعوت أحرونوت” نوني موزيس، ومئات أُخرى من الساعات، في محاولة للتأثير في الإعلام، أو السيطرة عليه، يقول، إن هذه التهم “أقل من قطرة في البحر”.
لم يكن هذا الصدام الوحيد بين نتنياهو والواقع، فمَن وضع نصب عينيه هدف التخلص من كافة الكوابح والتوازنات وصناعة نظام حُكم الرجل الواحد في إسرائيل، طرح نفسه أمام القضاة على أنه مدافع عن الديمقراطية، وأحد أكبر المعجبين بالآباء المؤسسين للولايات المتحدة.
والشخص الذي قام المقربون منه بتسريب وتزييف معلومات سرية بهدف تخريب نضال عائلات المخطوفين من أجل استعادة أبنائهم، وأثنى على “قناة السموم” 14، ووصف الصحافيين بأنهم “مهندسون للوعي”، وعلى الرغم من أن غلاء المعيشة، خلال ولايته، بات في مستويات غير مسبوقة تاريخياً، قال، إنه رفع مكانة الاقتصاد الإسرائيلي.
ومَن طلب من هداس كلايين سيجاراً بقطر محدد قال خلال المحاكمة، إنه يأكل خلال العمل، وهو مَن أزعج شاؤول ألوفيتش بشكل مباشر على مدار سنوات للحصول على تغطية إعلامية إيجابية في “واللا”، ووصف الموقع بأن تأثيره صفر.
هذا العالم المقلوب الذي يزدهر فيه نتنياهو سيملأ قاعات المحكمة خلال الأسابيع القريبة، وبعدها سيأتي دور الادعاء العام من أجل قلبه مرة أُخرى.
سيكون هذا التحدي مركّباً، لكن المدّعية العامة، يهوديت تيرش، قامت بالخطوة الأولى الصحيحة، أمس، في هذا الاتجاه عندما تجاهلت احتجاجات المحامين، وصممت على مناداة رئيس الحكومة بالـ”متهم”.