تبديد المال العام عام 2024..تحقيقات تكشف تورط أكثر من 30 رئيس جماعة في فضائح التعمير
انكشفت سلسلة من الفضائح التي طالت أكثر من ثلاثين رئيس جماعة محلية، في سياق التحقيقات التي شهدتها نهاية عام 2024 ، حيث أكدت الأبحاث المكثفة التي أجرتها زينب العدوي، القاضية بالمجلس الأعلى للحسابات، ومفتشو المفتشية العامة للإدارة الترابية، وجود خروقات جسيمة مرتبطة بقطاع التعمي.
هذه الخروقات لم تكن مجرد تجاوزات عابرة، بل عكست نظامًا متشابكًا من الفساد الإداري والتقصير في تنفيذ القوانين والتشريعات، ما استدعى تدخلاً حاسمًا من وزارة الداخلية.
فيما دعت الوزارة إلى إحصاء شامل ودقيق للأراضي الخاضعة للرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية، في خطوة تهدف إلى معالجة القصور الواضح في أداء الجماعات المحلية، إذ غالبًا ما يتم تجاهل هذا الإجراء الإحصائي السنوي، مما يؤدي إلى تأخر في تحصيل الرسوم المستحقة إلا عند تقديم طلبات رخص البناء، ما يمثل انتهاكًا واضحًا للمادة 49 من القانون رقم 47.06 الخاص بجبايات الجماعات المحلية، كما يبرز ضعفًا في إدارة الموارد المالية وتحصيلها.
وفي سياق التحقيقات التي طالت الجماعات الحضرية الكبرى، تبيّن أن المؤسسات المنتخبة لم تفعل حق الاطلاع المنصوص عليه في المادة 151 من القانون نفسه، على الرغم من أن هذا الحق يتيح طلب المعلومات من المحافظات العقارية حول مالكي الأراضي الحضرية غير المبنية، لكن الجماعات امتنعت عن استخدامه لأسباب تتراوح بين المصالح الانتخابية والفساد الإداري، كما و كشف التحقيق أن أكثر من أربعين جماعة لم تفرض الرسم على الأراضي المرتبطة برخص التجزئة بعد انتهاء المهلة القانونية، في انتهاك واضح للنصوص التي تحدد ثلاث سنوات كحد أقصى لاستكمال التجهيزات أو الحصول على شهادة التسلم المؤقت.
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فقد أظهرت التحقيقات وجود تقصير في احتساب تكاليف تجهيزات البنية التحتية، بما في ذلك شبكات الاتصالات، ضمن التكلفة الإجمالية التقديرية، رغم أن ذلك منصوص عليه في المادتين 60 و62 من القانون المذكور،و هذا الإغفال غير المبرر أدى إلى تفاوت كبير في كلفة التجهيز بالمتر المربع، حيث سجلت قيم تتراوح بين 99 درهمًا و300 درهم، دون وجود آليات رقابة فعالة على صحة هذه الإقرارات من قبل الملتزمين، ومن اللافت أن العديد من الجماعات لم تعتمد مراجع واضحة لتكاليف التجهيز، رغم توفر البيانات اللازمة لدى المصالح التقنية، ما جعل عمليات تصفية الرسوم تعتمد على تقديرات غير دقيقة، بدلًا من التكاليف الفعلية.
أظهرت التحقيقات أيضًا أن مصالح التعمير في بعض الجماعات تقوم بتصفية الرسوم المتعلقة بشغل الأملاك الجماعية لأغراض البناء استنادًا إلى مساحات جزافية، متجاهلة المساحة الفعلية للبقع المعنية، و يشكل هذا الإجراء انتهاكًا واضحًا للقانون، ويؤكد غياب الرقابة والشفافية في إدارة الموارد المحلية.
في ضوء هذه المعطيات، يبدو أن الإشكالات التي تواجه الجماعات المحلية في قطاع التعمير تتجاوز كونها مجرد مخالفات فردية، لتصبح نمطًا متأصلًا من سوء الإدارة والتواطؤ مع شبكات الفساد.
في هذا السياق يظهر بوضوح أن الحلول لن تكون مجدية إلا إذا تضمنت إصلاحًا جذريًا للبنية القانونية والمؤسساتية، مع تفعيل آليات رقابة صارمة وضمان محاسبة كل المتورطين في انتهاك القوانين.