الرئسيةرأي/ كرونيك

مدارات الحزن / مدارات الرعب التغريبة العربية والاوهام الشعبوية المعممة

بقلم: الكاتب والمحلل السياسي التونسي الحبيب بوعجيلة

دور النخب والمثقفين والساسة ان يقولوا لشعوبهم الحقيقة لا ان يتكفلوا بحقن الوهم وتمرير الخديعة . معرفة الحقيقة مدخل للوعي بالوضعية والعمل على تغييرها لكن وضع النفس على الذمة وتبرير ترتيبات القوي وتصويرها على انها انتصارات هو عين الخيانة التي يبرع فيها المثقف والسياسي البراغماتي الى حدود الانتهازية .

من الواضح ان المنطقة العربية بالمعطيات الراهنة والحالية تدخل بشكل كامل عصر الهيمنة الامريكواسرائيلية بعد انهاك المقاومة وتفكيك جبهاتها تقريبا.

قرار ابادة الشعب الفلسطيني في غزة وضبطه في الضفة الغربية ثم اعادة تهجيره لرسم خارطة اخرى للمنطقة اصبح قرارا حاسما وممكنا في تقدير العقل الامريكو صهيوني بعد المكاسب المهمة التي حققها الحلف الاطلسي على حساب ايران وروسيا (والصين بدرجة أقل) وبعد تمكن القوة النارية الصهيونية من تدفيع الجبهتين اللبنانية والغزاوية اثمانا باهضة على مراى ومسمع من منطقة عربية مشلولة حكاما ومعارضة وسكانا.

وكمقابل لهذا الترتيب المزمع فرضه يتم التخطيط على تقديم تنازلات ظاهرية تبدو كتعويضات مجزية للسكان الفلسطينيين والتنفيس السياسي لباقي سكان المنطقة عبر تغيير عدد من النظم السياسية المكروهة شعبيا في المنطقة وتنشيط نسبي للاوضاع المعيشية والاقتصادية للسكان وعبر اشراك نخب جديدة تتمتع بالمصداقية الشعبية وانصافها بنيل نصيبها في السلطة والريع لتتكفل بتمرير اجندة الترتيب الجديدة في اجواء من القبول الشعبي العام وهو تقريبا ما يمثل عودة للمخطط الامريكي للتنمية السياسية والترتيب العام للمنطقة والذي تمت صياغته اواسط الالفينات مع تغييرات طفيفة بعد الاختبارات التي تمت للتيارات والنخب في العشرية الماضية .

اذا لم تقع أحداث فارقة تقلب هذه المعطيات ؛ وهذا غير متوقع بالمعطيات الموضوعية الحالية لكن ارادة الله اقوى بطبيعة الحال ؛ سيذهب المحور الاطلسي الصهيوني الى فرض ترتيباته كما كان يخطط لها قبل طوفان الأقصى( صفقة القرن / مشروع الشرق الاوسط الجديد ) .

من المؤكد ان صمود المقاومين سيستمر ومن المؤكد ان الشعوب الحية في المنطقة (من الفلسطينيين واللبنانيين واليمنيين ) ستصر على التصدي لما يخطط لها ولكن من المؤكد ان اياما صعبة تنتظرهم .

الوضع في منطقتنا شبيه بتسعينات القرن العشرين التي تولت فيها امريكا شؤون العالم وفرضت ارادتها على الجميع ولكن مع فارق مهم حاليا وهو غياب قوى التوازن النسبي التي عطلت وقتها مشروع الهيمنة والترتيب الاطلسي الصهيوني وحاصرته واجبرته على المداورة والمناورة وحققت انتصارات عربية على حسابه على طول سنوات العشرية الاولى من الالفين قبل ان تنطلق موجة الثورات في العشرية الثانية .

مشروع الهيمنة والقرن الامريكي الصهيوني واجه في التسعينات :

1) حيوية شعبية تقودها التيارات السياسية الكبرى الاسلامية والقومية واليسارية ( المعارضات العربية وقتها ) والمنظمات المدنية ( النقابات والتنسيقيات المدنية والمهنية في مساندة العراق وليبيا ولبنان وغزة الخ ) .كانت الشعوب وقتها مازالت مشدودة الى قضاياها القومية وتنصت جيدا لنخبها السياسية والثقافية والطلابية التي كانت تحافظ وقتها على مصداقيتها مع الناس قبل انفلاتات الربيع والصراعات البينية التي ضربت مصداقية هذه النخب حاليا ما يجعلها الان مشلولة وعاجزة عن التعبئة بعد ما تم استدراجها بذكاء لصراعات صفرية على السلطة .

2) في التسعينات ورغم اوسلو وتقدم المشروع الاطلسي بقوة الواحد الامريكي المسيطر بدات تتشكل جبهات المقاومة بقدر كبير من الغموض والمتانة التنظيمية وصعوبة الاختراق وهو ما سيسمح لها بتحقيق انتصارات مهمة عطلت القطار الاطلسي بل فتحت هامشا كبيرا لعودة قوى عالمية جديدة لمنافسة وحيد القرن الامريكي .

3) يجب ان نستذكر وقتها ايضا حالة من الوحدة الشعبية العربية التي تواصلت بنفس ايقاع العقود السابقة واستمرار توقد قدر معقول من الوعي القومي بعيدا عن اشكال التمييع والاختراق والتلهية والصراعات المذهبية والطائفية التي سيتم الاشتغال عليها في السنوات الماضية لنجد اليوم شعوب المنطقة مجرد مجموعة من السكان المشدودين الى فردانيتهم وانشغالاتهم بالقوت والمعيشة والعائدين الى حضن القبيلة والطائفة والمذهب والجهة بل والعائلة وغيرها من التضامنات ما قبل القومية خصوصا بعد انكسار موجة المقاومة التي اعادت بعض الاحساس بالتضامن العربي والاسلامي ولكنه سرعان ما خفت بتحول القتل والابادة الى مشاهد يومية كاسرة للانفة والكرامة ومحذرة بالكلفة الباهضة لكل من يفكر بمواجهة الهيمنة الاطلسية .

هي موجة انكسار يستعيد فيها الامريكوصهيوني المبادرة في منطقة بلا مشروع سياسي جامع ولكن تبقى ارادة الله ووعده بنصرة المستضعفين املا ممكنا .كما تبقى طبعا الاحداث غير المتوقعة والمتسارعة والوضع الامريكي والاسرائيلي الداخليين من العوامل التي يمكن ان تغير التوقعات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى