الرئسيةحول العالم

تقرير:إيطاليا تدخل المجهول مع فوز اليمين المتطرف في الانتخابات تحت قيادة أول امرأة ترأس الحكومة

دخلت إيطاليا مرحلة جديدة في تاريخها مع فوز جورجيا ميلوني زعيمة حزب “إخوة إيطاليا” في الانتخابات التشريعيّة على رأس ائتلاف يتحتم عليه التوافق على تشكيلة حكومية تواجه الأزمة الاقتصادية الخانقة وتعالج مخاوف أوروبا وقلق الأسواق.

وبعد حصول الائتلاف اليميني على الأغلبية المطلقة في البرلمان، ستجري ميلوني خلال الأيام المقبلة محادثات مع حليفيها ماتيو سالفيني زعيم حزب “الرابطة” المعادي للهجرة، وسيلفيو برلسكوني زعيم حزب “فورتسا إيطاليا” اليميني، بهدف تشكيل حكومة لن تبصر النور قبل نهاية أكتوبر المقبل على أقرب تقدير.

وجمعت ميلوني أكثر من 26% من الأصوات، في حين حصل ائتلافها على نحو 44% من الأصوات، مما يضمن لها أغلبية في مجلسي النواب والشيوخ.

فمن هي بائعة الخضار التي أصبحت أصغر وزيرة ثم أول امرأة ترأس حكومة إيطاليا عبر التاريخ؟

ولدت جورجيا ميلوني في روما عام 1977، عاشت طفولة صعبة في ضواحي العاصمة الإيطالية بعد ما تخلى عنها والدها اليساري الذي سافر إلى جزر الكناري، لتترعرع على يد والدتها اليمينية الهوى.

وقبل أن تنتقل إلى منطقة غارباتيللا، وهو حي جنوبي تقطنه الطبقة العاملة في روما ويعد تقليديا معقلا لليسار للعيش مع جدتها لوالدتها، لتعمل في سوق بالحي عبر محل صغير لبيع الخضروات ثم انتقلت للعمل كمربية أطفال ومن ثم ساقية في حانة.

وعندما بلغت جورجيا ميلوني من العمر 15 عاما، انضمت إلى جبهة الشباب، وهو جناح اليافعين في الحركة الاجتماعية الإيطالية الفاشية الجديدة، وأصبحت فيما بعد رئيسة الفرع الطلابي لخليفة الحركة.

وفي عام 1995 أصبحت عضوة في “حزب التحالف الوطني” وهو الحزب ذو التوجه الفاشي، وفي عام 2006، وعن 29 عاما، أصبحت ميلوني أصغر نائب رئيس لمجلس النواب الإيطالي على الإطلاق. بعد ذلك بعامين، عيّنت وزيرة للشباب في حكومة سيلفيو برليسكوني.

في الـ32 من عمرها، اندمج حزب برليسكوني مع مجموعة يمين الوسط “فورزا إيطاليا” وتم إنشاء مجموعة جديدة باسم “شعب الحرية”، أصبحت ميلوني رئيسة قسم الشباب فيها.

وفي عام 2012، وبعد انتقادها لبرلسكوني والمطالبة بالتجديد داخل الحزب، انسحبت وأسست حركة سياسية جديدة سميت “إخوة إيطاليا”.

وعلى مدى السنوات اللاحقة، تبنت مواقف متشددة للغاية من مجتمع الميم والزواج من نفس الجنس والهجرة، ورفعت شعار “الله، الوطن، العائلة” الماثل في أذهان كثيرين ممن عايشوا الحرب العالمية الثانية وتبعاتها.

في الانتخابات العامة السابقة التي جرت في 2018، حصل “إخوّة إيطاليا” على 4% فقط من الأصوات، وشاركوا في ائتلاف محافظ مع حزب ماتيو سالفيني، الذي كان يملك قاعدة شعبية أكبر، و”فورزا إيطاليا” الأكثر اعتدالًا بزعامة سيلفيو برليسكوني.

تحديات اقتصادية

ستخلف الحكومة الجديدة حكومة الوحدة الوطنية التي قادها ماريو دراغي الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، منذ يناير 2021، حين استدعي لإنقاذ ثالث اقتصاد في منطقة اليورو المنهار بفعل الأزمة الصحية بسبب كورونا.

وتفاوض دراغي مع “بروكسل” بشأن منح إيطاليا مساعدات مالية تقارب قيمتها 200 مليار يورو، وهي الحصة الكبرى من خطة إنعاش اقتصادي أوروبية، مقابل إجراء إصلاحات اقتصادية ومؤسساتية عميقة.

ولم يستقر الأمر لحكومته بعد قرار عدة أحزاب متحالفة معه إسقاطها رغم التحديات الجسيمة، مما حتّم الدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة.

ومما أسهم في تقدم حزب ميلوني عدم انضمامه إلى حكومة الوحدة الوطنية والبقاء في المعارضة في ذلك الحين.

وفق محللين، حصد حزب “إخوّة إيطاليا” الكثير من أصوات ناخبي “الرابطة” بقيادة ماتيو سالفيني، الذين ضاقوا ذرعا بسياساته والهزائم السياسية المتكررة التي مني بها، فضلا عن تبني الحزبين لبرامج متشابهة للغاية تستهدف نفس الناخبين.

وتعقيبا على ذلك، قال دافيد ماريا دي لوكا، المراسل السياسي في صحيفة “دوماني” التقدمية “إنهم يتفقون على كل شيء تقريبا: وقف الهجرة، تجنب دفع الضرائب، مساعدة كبار السن… لذلك من الطبيعي أنه عندما تنخفض شعبية سالفيني، ترتفع أسهم ميلوني” لدى الناخبين.

وفي حين تتداخل بنود برنامج ميلوني مع برنامج “الرابطة” إلى حد كبير، خاصة عندما يتعلق الأمر بالهجرة، “الحدود المغلقة والحصار البحري لمنع طالبي اللجوء من الوصول إلى البلاد”، إلا أن ميلوني لم تبرز تلك القضية على أنها الأساسية ببرنامجها كما فعل سالفيني، بل راحت إلى اعتماد مفهوم “القيم المسيحية” كمحور أساسي يقوم عليه برنامجها.

في حين كان دراغي (الملقب “بسوبر ماريو”) يعد ضمانة للمصداقية في نظر الشركاء الأوروبيين، وقُدّم على أنه منقذ منطقة اليورو عند اندلاع الأزمة المالية عام 2008، فإن وصول اليمين المتطرف القومي والمشكك في الاتحاد الأوروبي والمتمسك بالسيادة الوطنية إلى السلطة يبعث مخاوف من دخول مرحلة جديدة من انعدام الاستقرار.

وما يعزز هذه المخاوف أن إيطاليا -التي تواجه ديونا طائلة تمثل 150% من إجمالي ناتجها الداخلي، وهي أعلى نسبة في منطقة اليورو بعد اليونان- تسجل تضخما يزيد على 9%، وزيادة هائلة في فواتير الغاز والكهرباء تثقل كاهل الأسر والشركات على السواء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى