الرئسيةثقافة وفنون

الناقد السينمائي محمد بكريم يكتب: السينما والقيم…والسينما الامازيغية

محمد بكريم
بقلم الناقد السينمائي محمد بكريم

من المشروع أن نستدعي السينما إلى أن تكون جزءاً من النقاش حول القيم. إن القيم متجذرة فيها بشكل عميق، سواء كأداة، أليست السينما تعبيراً عن التحضر/ عن المدنية، وهي العلامة الرمزية للمدينة. بالمعنى اليوناني “الحاضرة” تحيل الى المواطنة والمصلحة المشتركة. وكذلك السينما كخطاب، وكأداة للتعبير عن الذات. تعبير مركب لقيم الحياة. لقد كانت الأفلام هي المروج الرئيسي لـ “أسلوب الحياة الأمريكي”.

لقد كانت هوليوود هي التي مهدت الطريق لوصول شركة بيبسي كولا إلى الصين الشيوعية! وقد أثبتت التجربة المغربية الشابة ذلك من خلال الحماس الذي أثارته بعض الأفلام وحولها: فلم يحظ أي شكل من أشكال التعبير الفني بمثل هذا الدعم الشعبي.

وأزعم بالقول اليوم أن السينما هي أول شكل فني يعبر عن الخيال الجماعي للمجتمع. لقد كان العمل الرائد الذي قام به العالم الاجتماعي الألماني سيكفيرد كراكاور (1898-1966) مساهمة عظيمة بهذا المعنى، إذ أظهر أن السينما قادرة على الوصول إلى عمق “الحياة الداخلية” للمجتمع من خلال إعطاء شكل لـ “مخاوفه وآماله”؛ ويرى كراكور أن “أفلام أمة ما تعكس عقليتها بشكل أكثر مباشرة من أي وسيلة أخرى للتعبير”.

وعلى غرار إيمانويل إيثيس، أود أن أشير إلى أن “السينما فن شعبي”؛ هي الممارسة الثقافية الأساسية في زمننا. التعبير الرئيسي عن خيال عصرنا، ونموذج الحداثة وناقل القيم. وعلى وجه الخصوص القيم التي تشكل جزءا من المشاركة. “نحن نفهم بسرعة أن الذهاب إلى السينما هو، قبل كل شيء، عيش تجربة العيش معًا…”

إن السينما، في الواقع، ممارسة فنية تدعو إلى مفهوم المشاركة؛ أكثر بكثير من الممارسات الثقافية الأخرى.

وهي قيمة نجدها في التقاليد الثقافية والاجتماعية للأمازيغ. ولا أتردد في القول إن السينما الأمازيغية، سينما الرواد، ولدت في ظل هذا البعد: ويمكن تفسير نجاح الأفلام الأولى بهذا البعد الشعبي.

فما هي إذن الأشكال والأنماط المتكررة والمهيمنة التي يمكن أن تدل في الأفلام على الخصائص الأساسية للخيال والتي تجعل المجتمع يجد مكانه / ذاته على الشاشة؟ وهل يمكننا بعد ذلك أن نتساءل/نعيد النظر في السينما الأمازيغية من وجهة نظر القيم المجتمعية؟

نجد بداية معطى أساسي يتجلى في كون لغة الحوارات تتوافق مع كلام الناس “العاديين”؛ الكون المرجعي المكاني والزماني، تدبير الزمن (مسألة المدة حيث نجد أن الوصف يتم على حساب السرد. فيلم تمغارت نورغ ، مثلا )؛ استعادة الأساطير والخرافات في سيناريو حديث؛ تكرار بعض الشخصيات الأنثروبولوجية (بابا علي): الحضور البارز لشخصية الأم ؛ التضامن العائلي؛ الشرف؛ العلاقة مع الجسد؛ طقوس احتفالية… هناك العديد من الدلائل السيمائية التي تجعل هذه السينما تلتقي وتعبر ليس عن واقع (فقط) بل عن مخيال جمعي لمجتمع عريق…

ان التساؤل عن القيم في السينما الأمازيغية يفتح الباب أمام أسئلة أخرى، لا سيما حول وجود السينما الأمازيغية ذاته. إذا انطلقنا من فرضية أن السينما مكون للهوية الثقافية الأمازيغية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو حول هوية هذه السينما: لا يمكن “لسينما الهوية” أن تلغي التساؤل عن “هوية السينما” أو الهوية السينمائية لهذه الأفلام (بشكل ما البعد الإبداعي السمعي البصري).

ان المسألة الأمازيغية هي عصب السؤال الثقافي الذي يسكن أفق السينما المغربية في شموليتها وفي علاقتها بمحيطها وانخراطها النهائي في النسيج المجتمعي العام (كما أنجزت ذلك السينما الصينية…الايرانية، التركية …والى حد ما المصرية). في مشهد عابر ولكنه بليغ يطرح فيلم “وجها لوجه” (عبد القادر لقطع – 2004) إشكالية الغربة الثقافية للسينما المغربية: تقرر أمل السفر الى جنوب المغرب رفقة ابنتها للبحث عن زوجها المختفي. في احدى القرى تبحث عن الطريق وتقف لتسأل مجموعة من النسوة القرويات. ولكن لا يتم التواصل لغياب لغة مشتركة. ان تيه البطلة هنا تعبير رمزي عن تيه السينما المغربية والتي ما أن غادرت فضاءها السائد (الدار البيضاء) حتى وجدت نفسها غريبة…

لذا كانت خاصية الأفلام الأمازيغية الأولى هي تصوير فضاء مضاد ورد الاعتبار للمجال المنسي في أبعاده الأثنية الشاملة…هنا يتبادر الى الواجهة طرح معرفي أخر حيث يتحدث بعض المراقبين عن “الأفلام الأمازيغية” مرحلية في انتظار “سينما أمازيغية حقيقية”. وهذا هو موقف الحذر المبالغ فيه الذي لا أشاركه رغم كوني من أول من طرح شعار “من الفيلم الأمازيغي …الى السينما الأمازيغية”؛ لقد تطورت الأمور على عدة واجهات خاصة مع النقلة الرقمية التي باتت تفرض أسئلة جديدة. ومقولة “من أجل سينما أمازيغية” في الطرح السابق لاتاريخانية وتخضع لإيديولوجية معينة تتعلق بـ “الجودة” والتي لا نراها تعمل فيما يتعلق بالإنتاجات غير الأمازيغية الأخرى. بشكل شبه منهجي يتم استحضار سؤال “الرداءة/الجودة” عتد ما يتعلق الأمر بدعم مشروع فيلم أمازيغي.

وإذا ما استشهدت بأعمال المؤتمر الذي نظمه المعهد الملكي للثقافة الامازيغية في يونيو 2007، فقد أذهلني تشابه الأسئلة التي تناولها مختلف المتدخلين. يتحدث إبراهيم الحسناوي مثلا عن ضرورة “تطوير “مشروع سينمائي” (صفحة 6)؛ ويتساءل أحمد عصيد من جانبه عما إذا كان التراكم الكمي، 170 فيلما مسجلة بين يوليوز 1993 ويونيو 2007، يسمح لنا بتصور انتقال نوعي من الفيلم الأمازيغي إلى السينما” (صفحة 7)،ومن جانبه، يقترح فريد الزاهي السؤال الأول الذي يطرح نفسه وهو “سؤال السينما الأمازيغية نفسها” (صفحة 8).

ويسجل حميد تباتو على أن الخطاب حول الفيلم الأمازيغي يستجيب “لوعي بالحاجة إلى إظهار الاختلاف” (صفحة 9)…و دون الانخراط في نقاش تاريخي ومعرفي واسع النطاق، وأخذا بالاعتبار الملاحظات العميقة حول “الاختلاف” فإنني أفترض من جانبي وجود “سينما أمازيغية” من خلال تناول التعريف الذي قدمته للدفاع عن هذه الأطروحة، و الذي أستمده من السينمائي المنظر جان لويس كومولي: “أسمي السينما جميع أنواع الصور التي يتم تسجيلها وتأطيرها، ثم يتم تعرضها على الشاشة وهي مأطرة دائما، إما عن طريق العرض (projection) أو البث (التلفزيون، أو الأجهزة اللوحية، أو الهواتف، وما إلى ذلك)”.

وهذه الدقة المنهجية تسمح لي أيضًا بفتح مجال السينما الأمازيغية لدمج الإنتاج الفيديوي الغزير الذي بدأ في فجر تسعينيات القرن العشرين (كانت انزكان -الدشيرة ستكون هوليود السينما الأمازيغية)؛ أو الأفلام المنتجة في إطار صندوق دعم الإنتاج السينمائي التي قدمها المخرجون الناطقون باللغة الأمازيغية: العبازي، المرحوم محمد مرنيش، بنعمراوي، بايدو،بوزاكو… بالإضافة إلى مخرجين آخرين غير ناطقين (ياسمين قساري، لقطع، ـتلا حديد…).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى