اقتصاد الريع في المغرب…”زيد الشحمة في ظهر المعلوف”
يستمر “الريع” الاقتصادي، جزء أساسي في بنية النظام السياسي، ويتمر معه الجدل في الساحة المغربية، حيث يكتشف المواطنون بين الحين والآخر أسماء شخصيات بارزة تمكّنت من الاستفادة من الأموال العامة بشكل غير قانوني أو مفرط، والأنكى أنها من علة القوم، ومن الأغنياء…
أحدث هذه الاكتشافات كان الإعلان عن لائحة جديدة من المستفيدين من “كريمات النقل”، وهي أذونات حكومية تسمح بتخصيص موارد الدولة لمجموعة من الأفراد الذين ينتمون إلى فئات مختلفة، سواء كانت رياضية، عسكرية، فنية أو حتى سياسية.
طرح الكشف الأخير من وزارة التجهيز والنقل عن هؤلاء المستفيدين العديد من التساؤلات حول المعايير والظروف التي تجعل البعض يحظى بهذه الامتيازات، في ظل أزمة اقتصادية، وفي ظل أكبر الأرقام المسجلة في البطالة، حيث شهدت قائمة الرياضيين الذين استفادوا من رخص النقل بين المدن إدراج أسماء بارزة في عالم الرياضة، ما أثار نقاشاً واسعاً حول طبيعة هذه الامتيازات ودوافع منحها.
يبرز من بين المستفيدين بادو الزاكي، الحارس والمدرب السابق للعديج من المنتخبات والتي جرى من خلالها جني ارباحا مادية هائلة، و الذي حصل على رخصة لنقل الركاب بين واد زم ومراكش، ومثله استفاد المهاجم السابق، الذي يستثمر في العشرات من المشاريع صلاح الدين بصير، من رخصتين تغطيان مسار طنجة وآسفي، ولم تقتصر القائمة على هؤلاء فقط، بل شملت أيضاً أسماء مثل نورالدين القاسمي وزكريا عبوب وطارق جرموني، مما يدفع للتساؤل حول مدى استحقاقهم لهذه المزايا في ظل استفادتهم من امتيازات أخرى في سياقات مختلفة.
كذلك، تضم القائمة شخصيات أخرى مثل عبد اللطيف جريندو ويوسف روسي، وهو ما يثير علامات استفهام حول المعنى في توزيع هذه التسهيلات وأسس منحها، وبينما يمكن اعتبار هذه الرخص مكافأة لمسيرة رياضية حافلة، فإنها تفتح الباب أمام جدل متزايد بشأن عدالة توزيع مثل هكذا موارد من المال العام، خاصة في ظل مؤشرات تؤكد اتساع دائرة الفقر والهشاشة.
الفنانون أيضًا كانوا ضمن القائمة، حيث استفادت أسماء مثل لطيفة رأفت ونعيمة سميح ومنى فتو من رخص نقل متعددة، في غياب الحاجة للدعم اصلا لبعضهم.
و بينما يمكن فهم الدعم المادي كجزء من تقدير الدولة للمساهمات الثقافية، إلا أن التفاوت في حجم الامتيازات بين المستفيدين يطرح أسئلة حول معايير التوزيع، فكيف يمكن تبرير حصول فنانة واحدة على ثلاث رخص نقل في مقابل أخرى على اثنتين؟ وما الجدوى من تحويل الفن إلى وسيلة للحصول على امتيازات مادية، في وقت يعاني فيه العديد من المواطنين من أوضاع اقتصادية متدهورة؟
أما في الشق السياسي، فقد تضمنت القائمة أسماء برلمانيين بارزين مثل المحجوبي أحرضان، القيادي في الحركة الشعبية، وحميد لعكرود من حزب التجمع الوطني للأحرار، محمد فارس من اليسار الأخضر، وغيرهم من الأسماء التي تمثل تقاطعًا بين السلطة السياسية والاقتصادية في المملكة.
و المثير للدهشة كذلك وُجود اسم عبد الباري الزمزمي، الفقيه المعروف بفتاويه المثيرة، والذي طالما قدم نفسه كرمز للتقشف والزهد، ما يجعل استفادته من كريمات النقل مفاجأة كبيرة للكثيرين.
هذه الأسماء تلقي الضوء على العلاقة بين النفوذ السياسي واستفادة البعض من اقتصاد الريع.
لم تقتصر اللائحة على الشخصيات العامة، بل شملت أيضًا عائلات وأفرادًا من النخبة التقليدية، مثل المقربون من القصر والعائلات الثرية حيث شكلوا جزءاً مهماً من المستفيدين، كعائلة أمحزون، جمال وإدريس أمحزون، وعائلة الجماني، إضافة إلى مصطفى التراب، الذي يحظى أحد أفراد أسرته بمنصب استشاري في القصر الملكي، هذه الأسماء كشفت عن جانب آخر من النظام، حيث يبدو أن الامتيازات تشمل دوائر محددة على أساس القرابة أو الانتماء العائلي، وأساسا القرب من السلطة.
و في سياق متصل، أثارت رواتب أعضاء مجموعة “ناس الغيوان” جدلًا واسعًا، حيث يحصل كل فرد منهم على مبلغ شهري يصل إلى 30 ألف درهم بأمر ملكي، هذا الدعم، الذي يمتد أيضًا إلى عائلات الأعضاء المتوفين، يبدو للبعض كتقدير لمساهمتهم الثقافية، إلا أن الاعتراضات برزت عندما تبين أن بعض الأعضاء الحاليين يعيشون في ظروف مريحة، بينما يعاني آخرون من الفنانيين من أوضاع صعبة ومؤلمة.
هذه الفجوة تبرز غياب العدالة حتى داخل فئة المستفيدين أنفسهم، وتفتح الباب أمام مطالب بمراجعة شاملة لهذا النظام.
تستمر هذه الظاهرة في إظهار مدى تغلغل الريع في مفاصل الحياة المغربية، حيث تُخصص الأموال العامة لدعم أشخاص لا يُعتبرون في حاجة إليها.
إجمالًا، الكشف عن لائحة المستفيدين من الكريمات يعكس تعقيدًا كبيرًا في طبيعة النظام الريعي بالمغرب، بين شخصيات عامة تتناقض بين خطابها وسلوكها، وأفراد نُخبويين استفادوا من مواقعهم، وفئات فنية ورياضية تحوّل التقدير لإنجازاتها إلى امتيازات مالية، يبدو أن نظام الريع أصبح جزءًا من بنية اجتماعية تفتقد إلى التوازن.
لنسجل أولا أن نظام الريع يؤدي إلى تعزيز الامتيازات على حساب المنافسة الحرة، مما يؤدي إلى احتكار بعض القطاعات من قبل أفراد أو مجموعات محددة،كما أن التركيز على الربح السريع من الأنشطة الريعية يقلل من الاستثمارات في القطاعات المنتجة والمبتكرة، مما يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي.
يشجع الريع على انتشار الفساد والمحسوبية، حيث يجري منح الامتيازات والصفقات بناءً على العلاقات الشخصية بدلاً من الجدارة، أكيد، أن الريع في المغرب ليس مجرد ظاهرة اقتصادية بل هو جزء متأصل من بنية النظام السياسي والاجتماعي، حيث يلعب دورًا مركزيًا في تشكيل العلاقات بين الدولة والمجتمع، وبين النخب السياسية والاقتصادية.
وأن الدولة المغربية تستخدم الريع لضبط التوازن بين مختلف القوى والنخب داخل المجتمع. فمثلاً، يتم توزيع الامتيازات على شكل عقود حكومية، حقوق استغلال المناجم، أو إعفاءات ضريبية لفئات معينة لضمان بقائها متحالفة مع النظام. كما يؤدي هذا التوزيع إلى بناء شبكات من المصالح المتشابكة التي تجعل من الصعب على هذه النخب الانفصال عن النظام أو معارضته.