الرئسيةرأي/ كرونيكميديا وإعلام

عصابات وسائل التواصل الحديثة

القدرة على ارتكاب أفعال مسيئة أصبحت أقوى وتغريدة واحدة كافية لتحطيم السمعة

 

يونس مجاهد
بقلم يونس مجاهد

منذ أن بدأ الأنترنيت في الشيوع والانتشار، أثير النقاش حول إيجابيات هذه الأداة في تسهيل التواصل وحرية التعبير، وغيرها من الحسنات في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، وهي أمور أصبح مسلما بها اليوم، كما أن البشرية دخلت مرحلة جديدة، حيث لا يمكنها الاستغناء عن هذه الثورة الهائلة، التي شهدها العالم، والتي ستتواصل، بكل تداعياتها على المجتمعات والحضارات، وعلى الأفراد والجماعات، غير أن ثمة سلبيات خطيرة، أدت إليها هذه الثورة التكنولوجية في التواصل.

من بين هذه السلبيات، أن سهولة استعمال وسائل التواصل، وشيوعها بين الناس، وفرا فرصا كبيرة لاستعمالها بشكل سيء، من قبل أشخاص وجماعات، لأهداف لا أخلاقية، بعضها ذات طابع إجرامي، مثل التشهير بالناس ونشر الإشاعات الكاذبة حولهم، أو القيام بحملات التضليل والدعاية المغرضة، ناهيك عن عرض صور وتسجيلات للإضرار بالأشخاص، والابتزاز، وغيرها من الممارسات التي أصبحت مألوفة، أكثر من السابق، وارتبطت بالإمكانات التي تتيحها وسائل التواصل الحديثة، للجميع.

وكتب المفكر الفرنسي جاك أتالي، بهذا الخصوص، في كتابه “تاريخ وسائل الإعلام”، من خلال الصحافة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، أن القدرة على ارتكاب أفعال مسيئة أصبحت أقوى، عبر رسائل مجهولة المصدر، وأن تغريدة واحدة كافية لتحطيم السمعة على الصعيد العالمي، ولا توجد أي إمكانية لوضع حد لمثل هذه الأفعال، التي يرتكبها مجرمون، وكلما تكرر الخبر الكاذب، كلما اكتسب شرعية، خاصة إذا وضع في قالب معين، مثل جملة من كتاب أو من جريدة أومن استجواب… ويصبح الشخص المستهدف متهما، إذا حاول التكذيب. كما يتحدث أتالي عن عصابات تشكلت لنشر التضليل والدعاية الكاذبة، مثلما حصل في الولايات المتحدة الأمريكية، خلال الحملة الانتخابية لدونالد ترامب في مواجهة المرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، سنة 2016.

المعضلة الكبرى التي تواجهها الشعوب اليوم، هي أن الشركات العالمية للتكنولوجيات الحديثة في التواصل، تحقق أرباحا ضخمة، ولا ترغب في وضع آليات المراقبة والحد من الاستعمالات السيئة لمنتوجها، الذي أصبح، كما قال عنه دافيد كولون، في كتابه “سادة التضليل”، مثل أسلحة الدمار الشامل، الفرق هو أن الأسلحة النووية، يمكن أن تحد الدول من انتشارها، بينما وسائل التواصل الاجتماعي، تبقى في يد كل من يملك ميزانية لاستغلالها.

وقام هذا الباحث بدراسة، خصصها لمن سماهم “مهندسي النفوس”، أو خبراء المراوغة الإعلامية، من معلنين، وسينمائيين، ومكلفين بالتواصل والدعاية السياسية، الذين يعملون في الخفاء، وما يجمع بينهم هو فن تضليل الجمهور، مثل تغيير التوجهات الانتخابية، وصناعة مشاعر الرضى، والدفاع عن شركات الصناعات الملوثة. وقد عرض في كتابه مسار عشرين شخصية، لعبت دورا في التضليل منذ وزير تربية الشعب والدعاية لدى هتلر، جوزيف غوبلز، إلى مارك زوكربيرغ، مالك تطبيقات “فيسبوك”.

كل بلدان العالم، معرضة اليوم، لهذه الحملات التضليلية، لأن البشرية أصبحت متصلة بالطرق السيارة للأنترنيت وبشبكات التواصل الاجتماعي، تتأثر بما يحصل في العالم، وبما يحصل أيضا في محيطها القريب، حيث يظهر في كل المجتمعات مجرمون محليون، يتحركون كأفراد أو جماعات، بعضهم محترفون، يشتغلون لحساب مجموعات سياسية، أو لوبيات مصلحية، أو يشتغلون أحيانا لحسابهم الخاص، والبعض منهم، من الهواة، الذين يقعون في فخ غواية “فيسبوك” أو أدوات أخرى من شبكات التواصل الاجتماعي، هدفهم الإساءة، من وراء ستار.

ومن المرجح أن تتفاقم المظاهر السلبية لاستعمالات هذه الثورة التكنولوجية في التواصل، في ظل التوجه السياسي للإدارة الأمريكية الجديدة، التي أعلنت مناهضتها، باسم تطور العلم والمبادئ الليبرالية، لأي ضوابط، تحد من التفاعلات السيئة لمنصات التواصل.

غير أن واحدا من أكبر المفكرين المتخصصين في فلسفة العلوم، النمساوي الإنجليزي، كارل بوبر، كان قد دعا في كتابه “خلاصة القرن”، إلى تطبيق القانون على الصحف والتلفزة ووسائل الاتصال، لحماية الأطفال من العنف في إطار التربية، واعتبر أنه ينبغي توسيع حرية كل شخص، لكن في إطار الحدود التي تفرضها حرية الآخرين. وهي الدعوة التي يرفضها حتما، المجرمون العالميون والمحليون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى