
إقصاء إعلامي في “أليوتيس” أو حينما تصبح الصحافة درجات!
في سابقة غير مقبولة، شهدت النسخة السابعة من معرض “أليوتيس” في الفترة الممتدة من 6 إلى 9 فبراير الجاري بفضاء المعارض بمدينة أكادير، تمييزًا واضحًا بين الصحافيين،خلال افتتاحه يوم 5 فبراير الجاري، حيث تم انتقاء بعض وسائل الإعلام لحضور الفعالية الرسمية التي عرفت حضور رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، بينما تُرك آخرون ليوم الغميس 6 فبراير، وكأنهم صحافيون من الدرجة الثانية.
هذا الإقصاء يطرح أكثر من علامة استفهام حول المعايير التي تعتمدها الجهات المنظمة (وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، ثطاع الصيد البحري)، في التعامل مع الجسم الصحافي، ويعيد إلى الواجهة إشكالية التمييز بين المنابر الإعلامية، سواء من حيث الولوج إلى المعلومة، أو الاستفادة من الدعم والإشهارات، أو الاعتراف الرسمي بها.
من المفترض أن القانون لا يفرق بين المنابر الإعلامية، فكل مؤسسة حاصلة على التراخيص القانونية، وتعمل وفق الضوابط المهنية، لها الحق في المعاملة بالمثل؛ ومع ذلك، نجد أن بعض الجهات، في تجاهل تام لمبدأ تكافؤ الفرص، تتعامل مع الإعلام بمنطق الولاءات، فتُفضّل منابر بعينها وتمنحها الامتيازات، بينما تهمّش أخرى لأنها ترفض الاصطفاف خلف أجنداتها.
التساؤل الجوهري هنا: بأي حق يقوم منظمو “أليوتيس”، وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، بتصنيف منبر إعلامي على أنه “رسمي”، وآخر على أنه “غير رسمي”؟، ومن يملك سلطة هذا التصنيف؟ هل هي شفافية الخط التحريري، أم الاستقلالية، أم ربما مجرد العلاقات والمصالح الضيقة؟
هذا التمييز في التعامل مع الصحافيين ليس سوى امتداد لسياسات أوسع تحرم العديد من المؤسسات الإعلامية المستقلة من الإشهار والإعلانات، التي تُوزّع بمنطق الغنائم لصالح منابر محسوبة على جهات معينة، وجار التخطيط لحرمانها من الدعم العغمومي.
في الوقت الذي يُفترض فيه أن الدولة تدعم الإعلام كمرفق يخدم المواطن، نجد أن بعض الجهات تحتكر والإشهارات وتعمل، وفق أجندة ما لاحتكار الدعم العمومي، بناءً على حسابات لا تمت للمهنية بصلة، ما يؤدي إلى ضرب التعددية الإعلامية وحرية الصحافة في الصميم.
ما جرى في “أليوتيس” ليس مجرد حادث عرضي، بل هو نموذج لممارسات متكررة تستدعي وقفة جادة من الهيئات المهنية، والمجلس الوطني للصحافة، والنقابات المهنية، بل وحتى الحكومة نفسها.
إذا كنا نتحدث عن مغرب يحترم الصحافة ويؤمن بتعدد الأصوات، فإن أول خطوة هي ضمان الشفافية في التعامل مع جميع المنابر دون تمييز، سواء في الولوج إلى المعلومة أو في الاستفادة من الدعم والإعلانات.
الإعلام ليس امتيازًا تمنحه جهة ما وفق أهوائها، بل هو سلطة رابعة مستقلة يجب أن تحظى بالاحترام الذي تستحقه.
أما الاستمرار في هذه السياسات الإقصائية، فهو ليس سوى محاولة فاشلة للتحكم في المعلومة وتوجيه الرأي العام، وهي محاولة لن تصمد أمام وعي الصحافيين والرأي العام بضرورة التصدي لكل أشكال التمييز والإقصاء.