الرئسيةثقافة وفنون

فيلم “روتيني” بين النجاح والقرصنة… صناعة السينما في مواجهة التحديات الرقمية

في مشهد يعكس التحديات التي تواجه الإنتاج السينمائي في العصر الرقمي، وجدت الشركة المنتجة لفيلم “روتيني” نفسها مضطرة للجوء إلى القضاء بعد تعرض العمل للقرصنة ونشره عبر منصات إلكترونية دون إذن قانوني.
أثارت هذه الواقعة استياء صناع الفيلم، الذين اعتبروا ما حدث خرقاً صارخاً لحقوقهم وتهديداً مباشراً للصناعة السينمائية، خاصة أن العمل لم يمضِ سوى أسابيع قليلة على عرضه في القاعات السينمائية.

لم يُخفِ المخرج لطفي الجاوي صدمته من هذه الحادثة، موضحاً أن الفيلم تم تصويره بشكل غير قانوني داخل إحدى القاعات السينمائية، حيث استخدمت معدات احترافية لتسجيله بالكامل، قبل أن يتم عرضه عبر مواقع إلكترونية متعددة مثل “يوتيوب” و”فيسبوك”، ما أتاح مشاهدته من قبل الآلاف دون احترام حقوق الملكية الفكرية.
هذا التسريب، الذي يُعد ضربة قاسية لشركة الإنتاج “كونكسيون ميديا” التي يشرف عليها محمد الجامعي ومعاذ غاندي، أدى إلى خسائر مادية كبيرة، خاصة أن الفيلم كان لا يزال يحقق إقبالاً جماهيرياً في صالات العرض.

و مع تفاقم هذه الأزمة، قررت الشركة المنتجة اتخاذ إجراءات قانونية ضد الحسابات التي نشرت الفيلم، بهدف تحديد المتورطين في هذه العملية ومتابعتهم أمام العدالة، و شدد الجاوي على ضرورة سن قوانين أكثر صرامة لحماية الإنتاج السينمائي من القرصنة، مشيراً إلى أن مثل هذه الممارسات تُهدد مستقبل الصناعة السينمائية في المغرب، وتضعف ثقة المنتجين في الاستثمار في مشاريع جديدة.

هذه القضية لا تقتصر فقط على الجوانب القانونية، بل تفتح باب النقاش حول كيفية حماية الأفلام في ظل التطور التكنولوجي، حيث بات من السهل تسريب الأعمال السينمائية بمجرد عرضها في القاعات، ورغم الجهود التي تبذلها الشركات المنتجة لمكافحة القرصنة، إلا أن غياب آليات صارمة للردع يجعل من الصعب الحد من انتشار هذه الظاهرة التي تُلحق ضرراً كبيراً بقطاع يعتمد في جزء كبير منه على إيرادات التذاكر.

إلى جانب الجدل القانوني، يطرح فيلم “روتيني” قضية مجتمعية جوهرية، إذ يتناول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على العلاقات الأسرية والحياة اليومية، و يطل علينا النجم عزيز داداس في دور البطولة، و الذي صرح أن العمل يسلط الضوء على الوجه الآخر لهذه المنصات، حيث تتحول من أداة تواصل إلى مصدر للتوترات العائلية وتشويه القيم الاجتماعية، و يجسد داداس شخصية “عبد الواحد”، المحامي الذي يجد نفسه في مواجهة مباشرة مع زوجته “نورة”، التي تؤدي دورها ماجدولين الإدريسي، بسبب هوسها بمشاركة تفاصيل حياتهما الخاصة عبر الإنترنت، ما يخلق صراعات مستمرة بينهما.

ماجدولين الإدريسي، التي لم تكتفِ بالمشاركة كممثلة بل خاضت أيضاً تجربة كتابة السيناريو إلى جانب حكيم قبابي، أوضحت أن الفيلم يتطرق إلى التأثير العميق لمنصات التواصل الاجتماعي على الجيل الصاعد، مشيرة إلى أن الهدف الأساسي من العمل هو توعية الجمهور بمخاطر الاستخدام غير الواعي لهذه المنصات.
وأضافت أن علاقتها مع داداس، التي توطدت عبر أعمال فنية سابقة، ساهمت في تقديم أداء متناغم يعكس طبيعة العلاقات الزوجية في ظل هيمنة “السوشيال ميديا”.

من جهته، اعتبر المخرج لطفي آيت الجاوي أن نجاح الأفلام المغربية يكمن في مدى اقترابها من هموم المواطن وقضاياه اليومية، مشيراً إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت تشكل تحدياً كبيراً للحكومات والمجتمعات على حد سواء، حيث أصبح من الصعب التحكم في محتواها أو ضبط تداعياتها السلبية، واستشهد الجاوي بتصريحات وزير العدل عبد اللطيف وهبي، الذي أكد أن هذه المنصات أصبحت خارج السيطرة، مما يفرض على صناع السينما والفنانين التفاعل مع هذا الواقع وتقديم أعمال تُعالج مخاطره بطريقة إبداعية.

اختيار الكوميديا كأداة لتمرير رسائل الفيلم لم يكن اعتباطياً، حيث يرى الجاوي أن هذا النوع الفني يُساعد في إيصال الأفكار للمشاهد بطريقة سلسة وممتعة، بعيداً عن الأسلوب الوعظي المباشر، كما شدد على أهمية الإنتاج الخاص في تطوير السينما المغربية، داعياً المنتجين إلى عدم الاكتفاء بانتظار دعم الدولة، بل البحث عن شراكات جديدة مع الكُتاب والمبدعين المحليين، الذين يمتلكون القدرة على تقديم أعمال بجودة عالية تنافس الإنتاجات العالمية.

ما حدث مع “روتيني” يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل الصناعة السينمائية في المغرب، خاصة في ظل غياب آليات فعالة لحماية الملكية الفكرية، فبينما يسعى صناع الفيلم إلى الدفاع عن حقوقهم عبر المسار القانوني، يظل السؤال الأكبر قائماً: كيف يمكن للقطاع السينمائي أن يصمد في وجه هذه التحديات دون حلول جذرية تضمن استمراريته وحمايته من الانتهاكات الرقمية؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى