الرئسيةثقافة وفنون

حفل البافتا 2025: ليلة حافلة بالمفاجآت والإنجازات السينمائية البارزة

احتضنت العاصمة البريطانية لندن أمسية سينمائية استثنائية مع انطلاق النسخة الـ78 من حفل توزيع جوائز الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون (بافتا)، الذي أقيم في مركز “ساوث بانك” واستضافه الممثل الاسكتلندي ديفيد تينانت، نجم مسلسل “Doctor Who”.

تميز الحفل بأجواء تنافسية مشوقة، حيث انعكس تنوع الفائزين وتوزيع الجوائز على مجموعة واسعة من الأفلام، ما يعكس الزخم الإبداعي الذي شهده الإنتاج السينمائي هذا العام، وعلى عكس الدورات السابقة التي شهدت هيمنة واضحة لفيلم معين، جاءت نتائج هذه النسخة متوازنة، إذ تقاسمت عدة أعمال كبرى التكريمات، مما أضفى مزيداً من الحماسة والترقب، و برز في مقدمة الفائزين فيلمَا “المجمع المقدس” و”الوحشي”، حيث حصد كل منهما أربع جوائز، ما رسّخ مكانتهما كأبرز الأعمال المتوجة في هذه الليلة المميزة.

تمكن فيلم “المجمع المقدس”، للمخرج الألماني إدوارد بيرغر، من تحقيق إنجاز غير مسبوق بحصوله على جائزتي أفضل فيلم وأفضل فيلم بريطاني في آنٍ واحد، وهو إنجاز لم يتكرر منذ فوز فيلم “1917” عام 2019 بالجائزتين معاً، يستند الفيلم إلى حبكة درامية قوية تدور أحداثها داخل أروقة الفاتيكان، حيث استطاع أن يبرز بأداء متميز من طاقم التمثيل وبسيناريو مقتبس حاز على إشادة واسعة، ولم تتوقف إنجازات الفيلم عند ذلك، فقد حصد أيضاً جائزة أفضل مونتاج، وهو ما يعكس البراعة التقنية في تنفيذه، و
في هذا السياق، عبر المخرج إدوارد بيرغر عن سعادته الكبيرة بالتكريم، مشيراً إلى أن فوزه بجائزة أفضل فيلم بريطاني جعله يشعر بأنه أصبح جزءاً من المجتمع السينمائي في المملكة المتحدة، رغم كونه ألماني الجنسية، كما أكد على أهمية تناول القضايا السياسية في السينما، معتبراً أن الفيلم يعكس أصداء الأزمات التي تواجه الأنظمة الديمقراطية اليوم.

على الجانب الآخر، لم يكن فيلم “الوحشي” للمخرج الأمريكي برادي كوربيت أقل نجاحاً، حيث حصل هو الآخر على أربع جوائز، أبرزها جائزة أفضل مخرج، التي أكدت على قدرة كوربيت على تقديم رؤية بصرية وسردية متميزة.
الفيلم يروي قصة المهندس المعماري لازلو توث، الناجي من الهولوكوست، والذي جسده ببراعة الممثل أدريان برودي، ما منحه جائزة أفضل ممثل في الحفلة، و لم يقتصر تميز الفيلم على الأداء التمثيلي فحسب، بل حصد أيضاً جائزة أفضل موسيقى تصويرية أصلية وأفضل تصوير سينمائي، وهو ما يؤكد على تماسك العمل من الناحية البصرية والسمعية، وإتقانه لجميع العناصر السينمائية التي تجعل منه تجربة استثنائية للمشاهدين.

على صعيد الجوائز الفردية، جاءت جائزة أفضل ممثلة بمثابة مفاجأة كبيرة، حيث تمكنت مايكي ماديسون من اقتناصها عن دورها في فيلم “أنورا”، متفوقة على منافسات بارزات مثل ديمي مور، و جسدت ماديسون في الفيلم شخصية راقصة تعرٍ من نيويورك تقع في حب ابن أحد الأثرياء الروس، وهو دور مليء بالتحديات الدرامية جعلها محط أنظار النقاد والجمهور على حد سواء، و لم تخفِ ماديسون دهشتها عند تسلمها الجائزة، مؤكدة أنها لم تكن تتوقع الفوز، لكنها أعربت عن امتنانها الكبير للدعم الذي تلقته، واغتنمت الفرصة لتوجيه رسالة دعم لمجتمع العاملين في مجال الجنس، مؤكدة أنهم يستحقون الاحترام والكرامة الإنسانية.
في المقابل، لم تتمكن ديمي مور من الفوز بالجائزة رغم تألقها في فيلم “المادة”، الذي نال جائزة وحيدة عن أفضل مكياج وشعر، رغم التوقعات الكبيرة التي رشحته للفوز بأكثر من ذلك.
هذا التباين في النتائج زاد من حدة الترقب لما ستؤول إليه المنافسة في حفل الأوسكار المقبل.

فيما لم يكن “المجمع المقدس” و”الوحشي” الوحيدين اللذين حصدا التكريم في البافتا، حيث توزعت الجوائز على عدد من الأفلام التي تمكنت من حصد أكثر من جائزة، من بينها “الساحرة”، و”إميليا بيريز”، و”أنورا”، و”ألم حقيقي”، و”دون 2″، و”والاس وغروميت: الانتقام”، حيث حصل كل فيلم منها على جائزتين، ما يعكس مدى تنوع الأعمال السينمائية التي لاقت استحسان الأكاديمية.

حفل هذا العام لم يخلُ أيضاً من القضايا المثيرة للجدل، حيث كان فيلم “إميليا بيريز”، الذي يتناول قصة تاجر مخدرات مكسيكي يقرر تغيير حياته والعيش كامرأة، في دائرة النقاش بسبب تصريحات قديمة لبطلة الفيلم كارلا صوفيا غاسكون،و رغم الجدل المثار حولها، لم يؤثر ذلك على فرص الفيلم في الفوز، حيث تمكن من الحصول على جائزة أفضل فيلم دولي، فيما فازت الممثلة زوي سالدانيا بجائزة أفضل ممثلة مساعدة عن دورها فيه، ما يعزز من حظوظها في الأوسكار.

ومن بين الجوائز الأخرى التي حظيت بتقدير كبير، كانت زمالة بافتا التي مُنحت للممثل والمقدم التلفزيوني واريك ديفيز، وهي أعلى جائزة تمنحها الأكاديمية تكريماً لمسيرته الحافلة، كان تأثر ديفيز واضحا حيث لم يستطع إخفاء مشاعره عند تسلم الجائزة، و وجه شكره إلى والدته، وخص بالذكر زوجته الراحلة سامي، التي توفيت قبل عام، ما جعل لحظته على المسرح من أكثر اللحظات تأثيراً في الأمسية.

لم تغفل الأكاديمية تكريم الأسماء الراحلة التي قدمت الكثير لعالم السينما، حيث تم خلال الحفل عرض فقرة “في الذكرى”، التي احتفت بذكرى شخصيات سينمائية بارزة مثل ماغي سميث، وجيمس إيرل جونز، وديفيد لينش، ودونالد ساذرلاند.

في الجانب التقني، نال فيلم “دون: الجزء الثاني” جائزة المؤثرات الخاصة وجائزة أفضل صوت، فيما فاز الفيلم الموسيقي “ويكد” بجائزتي أفضل تصميم إنتاجي وأفضل تصميم أزياء.

و من المفاجآت التي شهدها الحفل أيضاً كان فوز “والاس وغروميت: الانتقام” بجائزة أفضل فيلم رسوم متحركة، وهو فوز مستحق لشركة “آردمان أنيمشنز”، التي تعد من أبرز الأسماء في عالم الرسوم المتحركة البريطانية.

هذا و لم تقتصر الجوائز على الأفلام الروائية فحسب، فقد حصد فيلم “سوبرمان: قصة كريستوفر ريف”، الذي يتناول حياة نجم سوبرمان الراحل كريستوفر ريف، جائزة أفضل فيلم وثائقي، حيث صعد أطفاله إلى المسرح لتكريمه في لحظة عاطفية أثرت في الجمهور، و فاز فيلم “نيكاب”، الذي يتناول قصة تشكيل فرقة راب في غرب بلفاست، بجائزة أفضل عمل أول لكاتب أو مخرج أو منتج بريطاني، ما يؤكد على دعم الأكاديمية للمواهب الجديدة والمشاريع الجريئة.

كما تميز حفل البافتا لهذا العام بتنوعه الكبير في توزيع الجوائز، حيث لم يكن هناك فيلم واحد مهيمن على المشهد، بل شهدت الأمسية تتويج العديد من الأعمال المتميزة، وهو ما جعلها من أكثر الدورات إثارة في السنوات الأخيرة.
ومع اقتراب موسم الأوسكار، تبدو المنافسة أكثر اشتعالاً، حيث سيظل النقاد والجمهور في حالة ترقب لمعرفة الأفلام والنجوم الذين سيواصلون رحلة التتويج في المحافل السينمائية المقبلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى