أوديوالرئسية

إقصاء المقاولات المحلية بسوس ماسة.. هل هي خطوة نحو “التحديث و الإتقان” أم تعزيز للاحتكار؟

تواجه شركة التنمية المحلية “أكادير سوس ماسة تهيئة” موجة من الانتقادات الحادة من قبل أصحاب المقاولات الصغيرة والمتوسطة في جهة سوس ماسة، على خلفية شروط طلبات العروض التي يرون أنها تعزز حظوظ الشركات الكبرى على حساب المقاولات المحلية.
ويأتي ذلك في سياق إعلان الشركة عن تخصيص ميزانية ضخمة بلغت 16.8 مليون درهم لإعادة تأهيل الساحات التاريخية التي صمدت أمام زلزال 1960، في خطوة أثارت تساؤلات حول توزيع الصفقات العمومية ومدى تحقيق العدالة في إسنادها.

أسندت الصفقة الجديدة، إلى شركة “المو جاردين” التي تتخذ من الدار البيضاء مقراً لها، و تشمل إعادة تأهيل عدد من الساحات البارزة في أكادير، من بينها ساحة سينما ريالتو، ساحة ولي العهد، ساحة البلدية، السوق المركزي، ثكنة رجال الإطفاء، ومعهد سوس العالمة.
ويهدف المشروع إلى تحسين البنية التحتية لهذه المواقع مع الحفاظ على طابعها التاريخي، غير أن هذه الخطوة لم تكن معزولة عن سياق أوسع من التوتر بين الفاعلين الاقتصاديين المحليين والجهات المسؤولة عن تنفيذ المشاريع التنموية في المدينة.

ما زاد من حدة الجدل أن “المو جاردين” ليست حديثة العهد في الحصول على صفقات بمدينة أكادير، حيث سبق لها أن أبرمت عقوداً لإنجاز مشاريع أخرى، من بينها إعادة تأهيل حديقة تادارت وإزالة أشجار النخيل لتهيئة الأرضية الخاصة بالطريق السريع الحضري.
هذه الحصرية المتكررة في إسناد المشاريع لشركات بعينها أثارت حفيظة المقاولات المحلية، التي تعتبر نفسها مستبعدة بشكل ممنهج من المنافسة العادلة.

فيما أعرب المقاولون الصغار والمتوسطون في الجهة عن استيائهم من معايير التأهيل التي تفرضها طلبات العروض، والتي تتطلب أرقام معاملات ومؤهلات بشرية تفوق بكثير إمكانياتهم، ويرى هؤلاء أن هذه المعايير تصب في مصلحة الشركات الكبرى فقط، ما يجعلهم غير قادرين على المنافسة، وهو ما اعتبروه إقصاءً مباشراً لهم من سوق الصفقات العمومية.

في هذا السياق، تدخلت البرلمانية النزهة أباكريم، من الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، لتسليط الضوء على هذه الإشكالية من خلال توجيه سؤال كتابي إلى وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، حيث استنكرت أباكريم ما وصفته بإقصاء المقاولات الصغيرة والمتوسطة من صفقات بناء وتأهيل أقسام التعليم الأولي والمشاريع المرتبطة بالتأهيل المندمج للمؤسسات التعليمية في الجهة، وذلك ضمن برنامج 2022-2023، الذي وُزعت صفقاته على تسع حصص، مع إمكانية دمج ثلاث منها كحد أقصى.

وجاء في مراسلة البرلمانية أن الإقصاء تجسد في الشروط والمعايير التي وضعتها “أكادير سوس ماسة تهيئة”، باعتبارها الجهة المنتدبة لتنفيذ المشاريع من طرف الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين. وأكدت أن الصفحتين 13 و14 من دفتر التحملات تتضمنان معايير تقييم صارمة تتعلق بشهادات المراجع المهنية، وأرقام المعاملات، وكفاءة الموارد البشرية، وهي شروط لا تتناسب مع حجم المشاريع المطروحة.

واعتبرت أن هذه المنهجية تتعارض مع القوانين المنظمة للصفقات العمومية، حيث إنها تحول المنافسة إلى عملية محسومة سلفاً لصالح شركات بعينها.

أباكريم لم تكتف بالإشارة إلى هذه المعايير، بل وجهت انتقادات حادة إلى الدور الذي تلعبه “أكادير سوس ماسة تهيئة” منذ تأسيسها قبل خمس سنوات، ووصفت طريقة اشتغالها بأنها تكرس الاحتكار عبر فرض شروط غير قانونية وغير موضوعية، مما مكن عدداً محدوداً من الشركات الكبرى من الاستحواذ على أغلب الصفقات العمومية في الجهة، كما أشارت إلى أن توسع صلاحيات الشركة واستحواذها على صفة “صاحب مشروع منتدب” لم يقتصر على المشاريع الجماعية، بل شمل أيضاً قطاعات حكومية، مما أدى إلى تفاقم أزمة المقاولات المحلية التي باتت تعاني من التراجع والانكماش.

وسط هذا السجال، يظل التساؤل قائماً حول مدى قدرة السلطات المعنية على مراجعة شروط طلبات العروض وضمان تحقيق تكافؤ الفرص بين مختلف المقاولات، خصوصاً في ظل استمرار الانتقادات الموجهة لطريقة تدبير الصفقات العمومية في أكادير.
هذا و يطرح هذا الجدل إشكالية أعمق تتعلق بتوازن المصالح بين تطوير البنية التحتية للمدينة والحفاظ على حيوية النسيج المقاولاتي المحلي، الذي يشكل أحد ركائز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الجهة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى