اقتصادالرئسية

المغرب يتبنى منظومة رقابية جديدة لتعزيز استقرار الاستثمارات والأموال.

اتحدت الهيئات الرقابية المغربية و المتمثلة في بنك المغرب، هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، والهيئة المغربية لسوق الرساميل، لتطبيق إطار تنظيمي صارم على التجمعات المالية التي تضم مؤسسات تعمل في قطاعات الأبناك والتأمينات وسوق الرساميل،و ذلك في خطوة استراتيجية تهدف إلى ترسيخ الاستقرار المالي وحماية رؤوس الأموال في ظل تقلبات السوق.

و تستند هذه المبادرة إلى إصدار منشور مشترك يضع معايير واضحة لمراقبة الشركات الكبرى المصنفة وفقاً للمادة 21 من القانون رقم 103.12 الخاص بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، ويشمل هذا الإطار التنظيمي كافة المجموعات التي تعمل في مجالات متعددة داخل القطاع المالي، ما يعكس حرص الجهات المختصة على التأكد من شفافية أعمالها وسلامة أدائها في مواجهة المخاطر المحتملة.

و يبرز المنشور أهمية النشاط المالي للتجمعات في حال تحقق أحد شرطين رئيسيين؛ إذ يُعتبر النشاط ذا دلالة استراتيجية إذا تجاوزت حصة أي من مكوناته نسبة 10% من السوق أو إذا وصل إجمالي أصول أحد هذه المكونات إلى 150 مليار درهم، هذا الشرط لا يعد مجرد مؤشر رقمي بل هو تعبير عن مدى تأثير هذه المؤسسات على المشهد الاقتصادي الوطني، مما يستدعي تدخلاً تنظيمياً دقيقاً يهدف إلى منع أي تجاوز قد يؤثر سلباً على استقرار النظام المالي.
وتأتي هذه الإجراءات في سياق موافقة وزيرة الاقتصاد والمالية عليها ونشرها في الجريدة الرسمية، مما يمنحها طابع الالتزام القانوني والشفافية المطلوبين.

هذا و يتطلب الإطار الجديد من رؤوس التجمعات المالية إعداد قوائم مالية مفصلة سواء على المستوى الفردي أو المجمع أو حتى على مستوى المجمع الفرعي، مع ضرورة المصادقة عليها من قبل مراقبي الحسابات وإرسالها إلى المشرف المختص خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر بعد اختتام السنة المحاسبية، أما في حال انتماء التجمع إلى مجموعة موسعة، فيُفرض إرسال القوائم التركيبية للشركة الأم على أساس نصف سنوي وسنوي خلال مدة أقصاها أربعة أشهر من نهاية السنة، ما يعكس حرص الجهات الرقابية على توفير بيانات دقيقة وفي الوقت المناسب لضمان الشفافية والمساءلة.

ولا يقتصر التنظيم الجديد على متطلبات إعداد التقارير المالية فحسب، بل يشمل أيضاً فرض ضرورة تعيين مراقبين اثنين للحسابات يتمتعان بالكفاءة والخبرة، تكون مهمتهما مراجعة الحسابات وفقاً للتشريعات المعمول بها وتقييم جودة أنظمة الرقابة الداخلية وتدبير المخاطر داخل التجمع المالي، بالإضافة إلى التحقق من صحة المعلومات الموجهة للجمهور ومدى توافقها مع الحسابات الرسمية.

إن هذا النهج حسب الوزيرة نادية فتاح يعكس اهتمام الدولة بتطبيق أعلى معايير الحوكمة الرشيدة، من خلال نظام متكامل يضمن حماية مصالح المودعين والمؤمن لهم والمستثمرين على حد سواء، ويضع استراتيجيات فعالة لمراقبة المخاطر والالتزام بالمعايير المالية والتنظيمية العالمية.

كما يُلزم المنشور التجمعات المالية بوضع آليات متكاملة لتدبير المخاطر تشمل أنظمة الرقابة الداخلية والتدقيق المستمر، إلى جانب إعداد تقرير سنوي مفصل حول إجراءات تدبير المخاطر والمراقبة الداخلية يتم إرساله إلى المشرف المختص خلال ستة أشهر من انتهاء السنة المالية.

ويتحمل المشرف على التجمع المالي مسؤولية متابعة تطبيق هذه الإجراءات والتنسيق مع هيئات إشرافية أخرى عند الحاجة، مما يضمن وجود منظومة رقابية مترابطة تسهم في استشراف المخاطر المحتملة ومعالجتها قبل أن تؤثر على استقرار النظام المالي.

ومن الجدير بالذكر أن الجهات التنظيمية منحت المؤسسات فترة انتقالية تمتد على مدى 48 شهراً قبل دخول هذه الإجراءات حيز التنفيذ بعد نشرها في الجريدة الرسمية، مما أتاح لها الوقت الكافي لإعادة هيكلة أنظمتها وتكييفها مع المتطلبات الجديدة.

وفي هذا السياق يظهر المغرب بوضوح تصميمه على تعزيز بيئة مالية تتميز بالشفافية والاحترافية، تضمن تحقيق التوازن بين نمو الاستثمارات وحماية الأموال، وتضع الدولة على مسار واضح نحو استقرار اقتصادي مستدام يواجه تحديات العصر الحديث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى