اقتصادالرئسية

الفلاحون المغاربة والرهان على الأصناف الأجنبية من الزيتون.. بين تحديات الجفاف والطموح إلى الإنتاجية العالية

تحرير: جيهان مشكور

تشهد الساحة الفلاحية في المغرب هذه الأيام إقبالًا كبيرًا على غرس شتلات الزيتون، إذ يستعد الفلاحون لبلوغ ذروة عملية الغرس خلال شهري مارس و أبريل، إلا أن اللافت في هذا الموسم هو الارتفاع المطّرد في الاعتماد على الأصناف الأجنبية، وعلى رأسها “الأربيكوينا” الإسبانية، وهو اتجاه يعكس تحولات عميقة في قطاع الزيتون، مدفوعًا بعوامل اقتصادية وتقنية وبيئية.

و يرجع الفلاحون والخبراء هذا التوجه إلى عدة اعتبارات، أبرزها الإنتاجية العالية التي تتميز بها الأصناف المستوردة مقارنة بالمحلية، حيث يمكن للهكتار الواحد أن يستوعب ضعف عدد الشتلات الأجنبية مقارنة بـ”البشولين” المغربي.
علاوة على ذلك، فإن هذه الأصناف تتكيف بسهولة مع أنظمة الري الحديثة، خصوصًا السقي بالتنقيط، ما يجعلها خيارًا مغريًا في ظل ندرة الموارد المائية التي تفاقمت مع توالي سنوات الجفاف.

تأتي هذه التحولات عقب موسم اتسم بانخفاض حاد في إنتاج الزيتون، ما أدى إلى قفزة غير مسبوقة في أسعار زيت الزيتون التي تخطّت حاجز 100 درهم للتر الواحد.

و في هذا السياق، يرى المزارعون في الأصناف الأجنبية فرصة لتحقيق مردودية أفضل، خاصة مع قدرتها على إنتاج الزيت بكميات أكبر مقارنة بالأصناف المحلية، ومن بين الخيارات الأكثر تفضيلًا إلى جانب “الأربيكوينا”، نجد “الأربوصانا” و”الجو كورونيكي” اليوناني، الذي يُقال إن جودته تقارب جودة الزيتون المغربي التقليدي.

فيما يستحوذ الزيتون في منطقة شيشاوة، على حصة كبيرة من الأراضي الزراعية، يؤكد ميلود الرماح، أحد فلاحي المنطقة، أن الاتجاه نحو “الأربيكوينا” في تزايد ملحوظ، نظرًا لمزاياه المتعددة، ويشرح أن هذا الصنف يتيح للمزارعين استغلال المساحة الزراعية بكفاءة أعلى، حيث يمكنهم غرس حوالي 1200 شتلة في الهكتار الواحد، مقابل 340 شتلة فقط من الصنف المغربي “البشولين”، وإضافة إلى ذلك، فإن دورة إنتاجه القصيرة، التي لا تتجاوز عامين، تجعله أكثر جاذبية للفلاحين الذين يسعون لتحقيق عوائد سريعة.

من الناحية التقنية، يوضح رياض أوحتيتا، الخبير الفلاحي والمستشار المعتمد، أن الإقبال على هذه الأصناف لا يقتصر فقط على كثافتها الإنتاجية، بل يعود أيضًا إلى مرونتها المناخية، إذ إنها تتكيف مع مختلف التغيرات البيئية، ويضيف أن “الأربيكوينا” تحديدًا قد دخل إلى المغرب منذ أكثر من خمسة عشر عامًا، إلا أن تراجع توفر شتلات الزيتون المحلي خلال السنوات الأخيرة بسبب الجفاف دفع بالمزارعين إلى التوسع في زراعته.

ورغم مزايا هذه الأصناف، يظل استهلاك المياه أحد التحديات التي ترافق هذا التوجه الجديد، حيث إن “الأربيكوينا” تستهلك كميات مياه أكبر نسبيًا مقارنة بالزيتون المغربي، رغم إمكانية ريها عبر التنقيط، ما يطرح تساؤلات حول استدامة هذا الخيار في ظل استمرار ندرة المياه، خاصة أن بعض المناطق المعروفة بإنتاج الزيتون، مثل قلعة السراغنة ومراكش-آسفي وبني ملال وصفرو، تعاني من آثار الجفاف الحادة، التي وصلت إلى حد احتراق أوراق الأشجار بسبب شح المياه والارتفاع المتزايد في درجات الحرارة.

تثير هذه التغيرات في أنماط الغرس والتوجه نحو الأصناف الأجنبية نقاشًا أوسع حول مستقبل زراعة الزيتون في المغرب، فبينما يسعى الفلاحون إلى ضمان إنتاجية مرتفعة لمواجهة الأوضاع الاقتصادية الصعبة، يبرز التساؤل حول مدى تأثير هذا التحول على الهوية الزراعية المحلية، وأيضًا على التوازن البيئي في ظل أزمة المياه المتفاقمة.

فهل سيصبح الزيتون المغربي جزءًا من الماضي، أم أن هناك استراتيجية قادرة على الموازنة بين الإنتاجية والاستدامة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى