النظرة الاستعمارية المسبقة لـ "ورثة فرانكو" مازالت سائدة تجاه المغرب
02/03/2025
0
بقلم يونس مجاهد
أصبح الحج إلى الصحراء المغربية، من قبل أشخاص ينتمون إلى اليسار الأوربي، خاصة الإسباني، أمرا مألوفا، وآخر حلقة في هذا المسلسل كانت محاولة لنواب من البرلمان الأوربي، تتزعمهم نائبة من حزب “بوديموس” الإسباني، الدخول إلى العيون، للتعبير عما يسمونه “التضامن مع الشعب الصحراوي”، والوقوف على أوضاع حقوق الإنسان، لكن السلطات المغربية ردتهم على أعقابهم، وما كان يهم هؤلاء الأوربيين، هو الدعاية في وسائل الإعلام، لتغطية محاولتهم الدخول وعملية الطرد.
ومن الواضح أن مثل هذه المحاولات وغيرها، تدخل في إطار الاستفزاز، لأن هؤلاء الأشخاص يعرفون أن السلطات المغربية لن تسمح لهم بالدخول، ليس لأنها تخشى “وقوفهم على أوضاع حقوق الإنسان”، ولكن لأن الصحراء ليست أرضا خلاء، بل جزء من الوطن المغربي، تمارس الدولة سيادتها الكاملة عليه، وأي زيارة لوفد سياسي أو صحافي، ينبغي أن تخضع للإجراءات القانونية والإدارية، الضرورية، بعد أن توافق السلطات المغربية عليها.
مثل هذه المحاولات الاستفزازية تتكرر باستمرار، وستتواصل ما دام هذا النزاع المفتعل مستمرا، حيث ستستقبل السلطات المغربية مثل هؤلاء “السياح الثوريين”، الذين يصلون إلى مطارات العيون أو الداخلة، بشكل مكشوف، وبعضهم يعملون على التسلل، بإخفاء حقيقة زيارتهم، لكن سرعان ما يفضحون، ويتم ترحيلهم. غير أن ما يهمنا في كل هذه اللعبة السخيفة، مناقشة خلفيات هذه الممارسات التي تتخذ طابع حملات منظمة ضد المغرب.
عشاق هذه “السياحة الثورية”، هم من اليسار الأوربي، الذين يقودهم عادة “سياح ثوريون”، من اليسار الإسباني، يعملون لصالح المشروع الاستعماري، الذي جاء نتيجة تقسيم المغرب، في مؤتمر الجزيرة الخضراء، في 1906، والذي مازال المغرب يواصل الصراع ضده، تحت شعار استكمال الوحدة الترابية. هؤلاء اليساريون، الذين ينظمون تلك الحملات الاستفزازية، ليسوا سوى ورثة أجدادهم وآبائهم، الذين خصص لهم الكاتب الإسباني خوان غويتيسولو، كتابا نشره في 1979، تحت عنوان “مشكلة الصحراء”، والذي يقول فيه إن اليسار الإسباني لم يفهم أبدا مطالب الحركة الوطنية المغربية. ويضيف أنه “بالنسبة إلى الرأي العام الإسباني، فالنظرة الاستعمارية المسبقة مازالت سائدة تجاه المغرب، في كل الطيف السياسي، من اليمين واليسار، ومن الرجعيين والماركسيين، الكل يعتبر أن للمغرب أطماعا توسعية، تهدد الاقتصاد الإسباني، والوحدة الترابية لإسبانيا”.
وفي سياق تحليله، يسجل الكاتب أن موقف اليسار الإسباني من استعمار المغرب، لا يختلف عن موقف الحكومات الإسبانية قبل سيطرة الديكتاتور فرانكو على الحكم في إسبانيا، وبعده، لذلك تبنى الموقف نفسه في قضية الصحراء، ويقول خوان غويتيسلو منتقدا، أين كانت مجموعات “دعم الشعب الصحراوي” من منظمات يسارية وخيرية وغيرها، عندما كان فرانكو يقمع بالحديد والنار المتظاهرين الصحراويين؟ لم يظهر لها أثر بالمرة.
وفي هذا الإطار، يستعرض ما حصل لمحمد البصيري، الذي نظم تظاهرة في العيون في 1970 للمطالبة بـ “التحرير وتوحيد الوطن”، إذ تعرض للاعتقال والتصفية من قبل السلطات الاستعمارية الإسبانية، ومازال مصير جثمانه مفقودا إلى اليوم.
“منذ ذلك الحين، غيرت الحكومة سياستها من (أسبنة الصحراء) إلى حق تقرير المصير ومواجهة السياسة التوسعية للمغرب”، يقول الكاتب، وتحول الهدف إلى إنشاء دويلة تابعة لإسبانيا، بدون جيش، وبدون موارد اقتصادية، وبدون خبراء أو تقنيين، وبدون تجربة، ولا يمكنها التحكم في أراض شاسعة دون وصاية إسبانيا.
وللتذكير، فإن الاستعمار الإسباني ساند آنذاك شعار تقرير المصير، لإقامة دويلة صحراوية تابعة له، ولذلك نظم عملية إحصاء السكان في 1974. وهو ما تصدى له المغرب، في حينه، غير أن قوى يسارية من الخارج ساندت انفصال الصحراء عن الوطن الأم، كما سقطت في هذا الفخ حفنة من اليسار المتطرف المغربي. وقد عبر الكاتب الصحافي، الفقيد محمد باهي، في جريدة “المحرر” عن رفضه لهذه السقطة أبلغ تعبير عندما كتب مقالا تحت عنوان “لا تجعلوا لينين موظفا لدى فرانكو”.
كاتب إسباني آخر، شيوعي، اسمه ميكيل مارتين، ألف كتابا في 1973، تحت عنوان “الاستعمار الإسباني في المغرب”، حلل فيه تخاذل قوى اليسار الإسباني تجاه المسألة الاستعمارية، وأكد فيه أن فرانكو لن يتحمل حربا ضد المغرب في قضية الصحراء، بل سيرضخ، وختمه بتوجيه نداء إلى التقدميين في إسبانيا، لدعم مطالب المغرب، والتقرب من القوى التقدمية والوطنية المغربية.
غير أن مثل هذه الأصوات تظل محسوبة على رؤوس الأصابع في إسبانيا، حيث يسود “لسياح الثوريون”، ورثة فرانكو.