الرئسيةثقافة وفنون

“معاوية”.. دراما تاريخية بين التوثيق للحقيقة و الجدل الفني والتحديات التاريخية

تشهد الدراما العربية في رمضان 2025 عرض واحد من أضخم الأعمال التاريخية المنتظرة، وهو مسلسل “معاوية”، الذي يعيد إحياء فترة مفصلية من التاريخ الإسلامي، وكان من المفترض أن يتم عرض تلك الدراما التاريخية،قبل نحو عامين ولكن جرى تأجيله بسبب اعتراضات من مراجع شيعية في العديد من دول العالم، حيث يتناول سيرة الخليفة الأموي الأول معاوية بن أبي سفيان، في سياق سياسي واجتماعي شديد التعقيد.

يتتبع المسلسل الأحداث التي أعقبت مقتل الخليفة عثمان بن عفان، مرورا بالخلافة الراشدة لعلي بن أبي طالب، وصولا إلى تأسيس الدولة الأموية، مستعرضا صراعات السلطة والتحولات الكبرى التي غيرت مسار الأمة الإسلامية.

تم إنتاج المسلسل بميزانية ضخمة تقدر بحوالي 75 مليون دولار، مما يجعله أحد أكثر الأعمال تكلفة في تاريخ الدراما العربية، و يتولى إخراجه طارق العريان، في أول تجربة درامية تلفزيونية له، بينما كتب السيناريو الصحفي خالد صلاح، الذي يخوض بدوره أولى مغامراته في الكتابة الدرامية، و يضم العمل نخبة من الممثلين العرب، من بينهم لجين إسماعيل في دور معاوية بن أبي سفيان، إلى جانب أسماء بارزة مثل إياد نصار، أسماء جلال، سهير بن عمارة، سوسن بدر، محمد رياض، أيمن زيدان، سامر المصري، ميسون أبو سعد، وعائشة بن أحمد.
هذا و قد جرى تصوير المسلسل في تونس، مستفيدًا من تقنيات بصرية متطورة وتصميم أزياء يعكس أجواء الحقبة التاريخية بدقة لافتة.

رغم الضخامة الإنتاجية والزخم الإعلامي المصاحب للمسلسل، لم يخلُ من الجدل منذ الإعلان عنه، حيث أثار ردود فعل متباينة بين مرحب ومتحفظ.

و يعود هذا الجدل إلى حساسية شخصية معاوية بن أبي سفيان في التاريخ الإسلامي، حيث ينظر إليه البعض كأحد أهم الشخصيات السياسية المؤسسة للدولة الأموية، بينما يراه آخرون شخصية مثيرة للجدل نظرا لأحداث الفتنة الكبرى التي شهدها عصره، انعكس هذا الانقسام في المواقف الرسمية، حيث دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى منع عرض المسلسل، مشيرًا إلى أنه قد يثير مشاعر بعض المسلمين ويؤدي إلى توترات غير مرغوبة، في حين أصدرت هيئة الإعلام العراقية قرارًا يقضي بحظر عرضه داخل العراق، في خطوة تعكس المخاوف من تداعياته على الرأي العام، وذكرت تقارير إعلامية أن الأزهر قد أصدر فتوى بمنع مشاهدة ذلك العمل الدرامي الضخم مايعكس موقفها الثابت حول تجسيد الصحابة.

و رغم الاعتراضات، يبدو أن المسلسل مرشح لتحقيق نسب مشاهدة عالية نظرا لأهمية المرحلة التاريخية التي يعالجها، فضلا عن عناصر الإنتاج الضخمة التي تجعل منه تجربة بصرية وفنية استثنائية.

ليبقى التحدي الأكبر أمام صناع العمل هو كيفية تقديم سرد متوازن وموضوعي لشخصية تاريخية شديدة التعقيد مثل معاوية بن أبي سفيان، في ظل الانقسامات التاريخية والمذهبية حول إرثه السياسي والديني.

في نهاية المطاف، سواء كان المسلسل إضافة نوعية للدراما التاريخية أم مجرد عمل آخر يثير الجدل دون تحقيق تأثير ثقافي عميق، فإن ما لا يمكن إنكاره هو أنه سيفتح الباب أمام نقاشات واسعة حول الروايات التاريخية المختلفة، ومدى قدرة الدراما على تقديم قراءة نقدية متزنة لأحداث شكلت معالم العالم الإسلامي كما نعرفه اليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى