
مسلسل “رحمة”: من إشادة الجمهور إلى خيبة الأمل بسبب خيارات إخراجية مثيرة للجدل
منذ بداية شهر رمضان، حقق مسلسل “رحمة” نجاحًا لافتًا في أوساط المشاهدين المغاربة، حيث جذب هذا العمل الدرامي الأنظار بفضل قصته المشوقة والأداء المتميز لأبطاله، مما جعل العديد من المتابعين يعتبرونه إضافة قوية للدراما الرمضانية، و كانت الحلقات الأولى مصدر إعجاب لدى الجمهور، الذي وجد فيها مزيجًا من التشويق والواقعية الدرامية، وأدى ذلك إلى تكوين ارتباط وثيق بين المشاهدين والمسلسل.
ومع ذلك، بدأت الأمور تأخذ منحىً مختلفًا مع مرور الوقت، حيث فوجئ الجمهور بتطورات غير متوقعة في الحبكة الدرامية.
ففي تطور مفاجئ، قرر صناع العمل إدخال مشاهد لم تكن لها أي علاقة مباشرة بالقصة الأصلية، مما أثار تساؤلات حول دوافع هذا التغيير المفاجئ، و تمثل هذه المشاهد في لقطات عناق وبعض التجاوزات الأخلاقية التي ظهرت بشكل مفاجئ، دون أن تخدم السرد الدرامي أو تضيف أي عمق للعمل.
هذه الإضافات بدت للعديد من المشاهدين غير مبررة، مما أدى إلى تأثير سلبي على الصورة العامة للمسلسل وأفقدته جزءًا كبيرًا من بريقه الأول.
في وقت كان من المتوقع أن تظل فيه الدراما الرمضانية محافظة على أجواء روحانية وأخلاقية، جاء مسلسل “رحمة” ليخرج عن هذا الإطار، فالعديد من المشاهدين اعتبروا أن المسلسل كان يقدم لهم محتوى ينسجم مع قيم الشهر الفضيل في البداية، إلا أن هذه المشاهد المجانية قلبت موازين العمل بشكل غير متوقع،و كانت هذه التغيرات بمثابة ضربة لمصداقية المسلسل في عيون الجمهور، حيث شعروا بأن المسلسل قد تراجع عن القيم التي كانت تشدهم إليه منذ بداية عرضه.
ورغم أن بعض الممثلين صرحوا بأن المخرج وعدهم بحذف هذه المشاهد إلا أن هذا لم يحدث، مما جعل هؤلاء النجوم يشعرون بالإحباط تجاه ما حدث.
من جهته، المخرج، الذي كان قد نجح في جذب الأنظار بأفكاره الأولية، ارتكب خطوة قد تكون حاسمة في تراجع العمل، حيث أصبح المسلسل في النهاية محط جدل بسبب هذه المشاهد التي لم تضف للعمل أي قيمة فنية، بل جعلته يقع في فخ المبالغة والإفراط في السعي وراء الإثارة غير المبررة.
أحد الأسئلة التي طرحها الكثير من النقاد والمتابعين هو: هل يجب أن يعكس العمل الفني كل جوانب الواقع؟ بالطبع لا، فليس كل ما يحدث في الواقع يستحق أن يُعرض على الشاشة. المعضلة تكمن في التفريق بين الفن الذي يهدف إلى نقل رسالة هادفة بأسلوب ذكي ومؤثر، وبين المحتوى المبتذل الذي يهدف فقط إلى إثارة الانتباه دون أي غاية فنية حقيقية.،إذ إن الفن في جوهره لا يعكس الواقع كما هو، بل يُقدّم رؤى وتفسيرات تتسم بالتركيز على الجوانب المهمة والمثيرة التي تحترم مشاعر الجمهور.
الفن الراقي يُبنى على القدرة على معالجة القضايا والتحديات بطرق مبتكرة ومهنية، دون الحاجة إلى الاعتماد على المشاهد المبتذلة التي لا تقدم جديدًا، بل قد تؤدي إلى تشويش الرسالة الأصلية.
من هنا تأتي أهمية وعي المخرجين والمبدعين في أن يحترموا القيم الاجتماعية والأخلاقية التي يتبناها الجمهور، خاصة في سياقات حساسة مثل الشهر الكريم.
بالتأكيد، ليس هناك من اعتراض على قوة الدراما وواقعيّتها، ولكن الحقيقة تكمن في أن العمل يجب أن يكون مدروسًا بعناية ليُعكس الواقع بذكاء، لا أن يُصبح أداة استعراض لتفاصيل يمكن الاستغناء عنها، وعندما تتسلل إلى العمل الفني مشاهد بلا هدف درامي، فإنها تضر أكثر مما تفيد، حتى وإن كانت قد تثير نقاشات وجدلًا بين الناس.
في النهاية، كان مسلسل “رحمة” في بداية عرضه يعد بالكثير، وكان يبدو أنه سيكون إضافة بارزة لدراما رمضان هذا العام، إلا أن اختيارات إخراجية غير موفقة أدت إلى تراجع مفاجئ في مكانة المسلسل، وجعلت الجمهور يعيد النظر في تقييمه له.
إن تلك المشاهد، التي لم تكن سوى محاولة لزيادة الإثارة، لم تُضف شيئًا للعمل، بل أفسدت صورة كانت في طريقها لأن تكون متميزة.