الرئسيةرأي/ كرونيك

غزة… الدم والنقد والاختبار الأخلاقي

حنان رحاب
بقلم: حنان رحاب

في كل مرة تقصف فيها غزة نعيش المشهد ذاته: صور الشهداء، بكاء الأطفال، أنقاض المنازل، وردود فعل تتأرجح بين التعاطف الصادق، والتجييش الأيديولوجي، والمزايدة السياسية…

من واجبنا أن نتضامن، نعم.. من واجبنا أن نقف مع غزة الفلسطينية في وجه آلة التدمير التي تقودها حكومة نتانياهو الإسرائيلية، ومع شعب فلسطين في وجه الاحتلال.. لكن من واجبنا، أيضا، أن نقول الحقيقة، حتى لو كانت موجعة…

حركة – ح م ا س – وحسب العديد من الاراء ارتكبت خطأ بعملية 7 أكتوبر… خطأ استراتيجي مكلف، ودون تقدير واضح لحجم رد اسرائيل، جرت القطاع إلى كارثة إنسانية وعسكرية، غير مسبوقة، وجرت المنطقة إلى خسارة كبيرة، امتدت إلى خارج غزة، جنوب لبنان نموذجا …

غزة دفعت الثمن غاليا: آلاف الشهداء، دمار شامل، حصار خانق، ومعاناة إنسانية متواصلة. حتى- ح م ا س – نفسها فقدت العديد من قادتها ومواقعها، وتلقت ضربات مؤلمة لبنيتها التنظيمية…

وهنا لا بد من التوضيح: تضامن المغاربة العارم ليس بالضرورة تضامنا مع – ح م ا س -، بل هو موقف إنساني وأخلاقي وحقوقي مناصر للشعب الفلسطيني وضد جرائم نتانياهو . وانتقاد – ح م ا س -، أو مساءلتها أو رفضها، ليس جريمة، ولا خيانة. هي حركة سياسية، ليست فوق النقد، ولا معزولة عن المحاسبة…

غزة، اليوم، ليست فقط مأساة إنسانية… هي اختبار حقيقي للمنظومة الدولية، ولخطابنا نحن، أيضا. بين من يدعم المقاومة بإيمان، ولا يحاسب سياسي، ومن يسائلها بعقلانية، ضاعت البوصلة. وبات صوت التخوين أعلى من صوت العقل، وكأن كل من لا يصفق يطرد….

لكن المشكلة أعمق…
بعض “الحركات السياسية المغربية” تعتبر حماس امتدادها الطبيعي في غزة، لا في فلسطين ككل… فلسطين التي تمزقت ظلما، بين الضفة الغربية وغزة، وتحولت لدى البعض إلى مجرد ملف مختصر في القطاع المحاصر، المدمر، متناسين أن القضية أكبر من جغرافيا، وأن فلسطين كانت وستظل رمزا للتحرر الشامل، لا مجرد منصة إعلامية أو ورقة ضغط سياسية …

فلسطين، التي فشلت فيها كل محاولات المصالحة الداخلية، رغم تعدد الوساطات العربية والدولية، تحولت عند البعض إلى أداة ترويع وتخوين وتحريض.. كل من ينتقد يتهم بالخيانة، وكل من يفكر خارج السرب يلغى وقد يصفى معنويا …

ومع كل جولة تصعيد، تحولت فلسطين إلى ساحة للمزايدة السياسية: قوى سياسية تستثمر في مناهضة “التطبيع”، لتلميع صورتها، وحتى وان كانت قد وقعت عليه.. وأخرى تحاول تبرير الصمت أو تزيين العلاقات مع إسرائيل، على أنها “شراكة رسمية”. أما مواقع التواصل الاجتماعي فقد غرقت في معارك التخوين بدل تسليط الضوء على معاناة الناس ومصير القضية الفلسطينية …

الأخطر أن القضية الفلسطينية، صارت ملعبا لتصفية الحسابات السياسوية. من يخالفك يخون، ومن يختلف معك يتم “ترويعه”، والتحريض ضده، وهذا انزلاق خطير…

اليوم نحتاج لإرجاع فلسطين إلى مكانتها الأصلية: قضية كرامة، تحرر، وعدالة.. لا بطاقة ولاء .. ولا مادة انتخابية.. ولا آلية لتصفية الخصوم..

نحتاج العودة لروح خطاب محمد الخامس، في وجدة، حين قال “فلسطين أمانة”، ونحتاج استحضار دعم المغرب المستمر تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس والمسيرات التضامنية التي عبرت عن وجدان هذا الشعب…

والسؤال الذي يجب علينا طرحه: هل من الأخلاق أن نحول فلسطين إلى مرآة لصراعاتنا الداخلية غير الـاخلاقية؟

فلسطين لا تحتاج لمن يزايد باسمها، ولا لمن يجعل منها بطاقة موالات (معي او ضدي)، بل لمن يدافع عنها بصدق.. وبوعي، وبكرامة وعقلانية لإقامة دولة فلسطينية موحدة عاصمتها القدس…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى