
عاشت الأسواق المالية العالمية صباح اليوم الإثنين 7 أبريل 2025 لحظة فارقة تجلت في موجة ذعر حادة اجتاحت البورصات الكبرى، على وقع تصاعد التوتر التجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، في تطور يعيد إلى الأذهان شبح الركود العالمي ويثير تساؤلات ملحة حول قدرة الاقتصاد العالمي على الصمود أمام أزمة جديدة، فقد جاء افتتاح جلسات التداول في أوروبا أشبه بانفجار متسلسل، حيث سجلت البورصات تراجعات حادة كشفت عن هشاشة ثقة المستثمرين، وعمق القلق السائد من مستقبل العلاقات التجارية بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر عالمياً.
بورصة فرانكفورت كانت الأبرز من حيث الخسائر، إذ تراجعت بنسبة بلغت 7.86%، بعد أن لامست حدود الانهيار الكامل بخسائر اقتربت من 10% في لحظة قصيرة، ما يعكس مدى تأثر السوق الألمانية، الأقوى أوروبياً، بحالة القلق العالمية، في باريس، لم تكن الصورة أقل قتامة، إذ فقد المؤشر الفرنسي أكثر من 6.19% من قيمته، فيما شهدت بورصة لندن تراجعاً بـ5.83%، وتراجعت ميلانو بنسبة 2.32%، أما المؤشر السويسري فانخفض بنسبة 6.82%، فيما خسر المؤشر البلجيكي 5% من قيمته السوقية.
تأثير هذا الزلزال المالي لم يتوقف عند حدود أوروبا، بل امتد بقوة إلى الأسواق الآسيوية التي سجلت انهيارات أكثر حدة، مع إغلاق مؤشر شنغهاي المركب على انخفاض تاريخي بنسبة 7.6%، في أسوأ أداء يومي له منذ خمس سنوات، وهو ما شكل جرس إنذار واضح حول عمق التأثير الصيني في المنظومة الاقتصادية العالمية أما مؤشر هانغ سينغ في هونغ كونغ فقد سجل أسوأ نتائجه منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، مترافقاً مع انهيار في أداء الأسهم الصينية الخارجية. بورصة طوكيو لم تنجُ هي الأخرى من العاصفة، حيث تراجعت بنحو 8%، فيما سجلت بورصة سول انخفاضاً بنسبة 5.6%.
من جهة أخرى، لم يكن العالم العربي في منأى عن هذا التأثر، حيث انعكست الموجة سريعاً على أسواق الخليج، مع تراجع المؤشر الرئيسي في السوق السعودية بنسبة 2%، في حين انخفضت أسهم دبي بـ4.45%، وأبوظبي بـ4%، في تعاملات صباحية كانت كافية لبث الذعر في نفوس المستثمرين المحليين الذين بدأوا في سحب استثماراتهم تحسباً لتصعيد إضافي.
تعود أسباب هذا الانهيار الجارف إلى إصرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب على مواصلة سياسته الحمائية، التي تمثلت مؤخراً في توسيع قائمة الرسوم الجمركية المفروضة على الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، وعلى رأسهم الصين، فيما لم يتأخر الرد الصيني، إذ أعلنت بكين الجمعة الماضية عن حزمة جديدة من الرسوم الانتقامية، في خطوة تشير إلى أن مسار التهدئة بات بعيد المنال، وأن العالم أمام حلقة جديدة من صراع اقتصادي مفتوح قد يعيد تشكيل خارطة التجارة الدولية.
في مواجهة هذه الاضطرابات، سارع المستثمرون إلى البحث عن ملاذات آمنة، لعل أبرزها الذهب الذي ارتفعت أسعاره بفعل الطلب المتزايد، وسندات الخزانة الأميركية التي شهدت انخفاضاً غير مسبوق في عوائدها، ما يعكس حجم المخاوف من المستقبل القريب.
هاذا و يحذر الخبراء الاقتصاديون من سيناريوهات قاتمة، إذ أن استمرار التصعيد التجاري بين الولايات المتحدة والصين لا يُهدد فقط بتقويض سلاسل الإمداد العالمية، بل قد يتسبب في شلل اقتصادي واسع النطاق، يعيد إلى الذاكرة تداعيات الانهيار المالي في 2008، ولكن بأبعاد أعمق وأكثر تعقيداً في ظل تعقّد النظام المالي العالمي وتداخل مصالحه.
الواضح أن الأسواق لم تعد تتحمل المزيد من الاضطراب، وأن العالم يقف على حافة أزمة قد تتحول إلى لحظة تاريخية فاصلة في الاقتصاد العالمي ما لم تتخذ قرارات سياسية جريئة تكبح جماح الحرب التجارية المتصاعدة، وتعيد الثقة إلى المستثمرين الذين باتوا يتنقلون بين الأسواق بحثاً عن الأمان في مشهد لا يخلو من الهشاشة والمخاطر.