اقتصادالرئسية

أثرياء إفريقيا يكسرون حاجز المئة مليار: “بزاف الفلوس” في قلب التحديات والفاقة

في ظل واقع إفريقي معقد يتسم بالتقلبات السياسية، الأزمات النقدية، والعوائق الهيكلية، تسجل القارة السمراء إنجازًا غير مسبوق يتمثل في تجاوز ثروات مليارديراتها حاجز المئة مليار دولار لأول مرة في التاريخ، وفق التحديثات الأخيرة التي نشرتها مجلة فوربس.
هذا التحول الجوهري في المشهد المالي الإفريقي ليس مجرد ارتفاع رقمي، بل هو نتيجة سلسلة من التطورات العميقة التي تعكس دينامية متزايدة في قطاعات اقتصادية حيوية وأسواق تشهد تحولات ملحوظة.

يكشف التقرير الذي رصد أوضاع الأغنياء حتى نهاية مارس 2025 عن وجود 22 مليارديرًا إفريقيًا مدرجين ضمن قائمة فوربس، بعد أن كانوا 20 فقط خلال نفس الفترة من العام الماضي، وهو ما يعكس تطورًا كمّيًا يوازيه تطور نوعي في مصادر الثروة.
على الصعيد العالمي، ارتفع عدد المليارديرات إلى 3028 بثروة إجمالية قدرت بـ16.1 تريليون دولار، فيما قفز إجمالي ثروات أثرياء إفريقيا من 82.4 مليار دولار إلى 105 مليارات، أي بزيادة لافتة نسبتها 27.43%. تعد هذه القفزة علامة فارقة، بالنظر إلى الصعوبات البنيوية التي لا تزال تعاني منها عدة دول إفريقية.

العوامل التي ساهمت في هذه الطفرة متعددة، أبرزها الأداء الإيجابي للأسواق المالية التي سجلت نموًا قدره 22% خلال عام واحد، إضافة إلى إدراج أصول جديدة من العيار الثقيل، مثل مصفاة النفط العملاقة التي يملكها النيجيري أليكو دانغوتي، والتي غيرت ملامح ثروته بشكل جذري، دانغوتي لم يحتفظ فقط بمكانته كأغنى رجل في إفريقيا للعام الرابع عشر تواليًا، بل عاد أيضًا إلى نادي أغنى 100 شخصية في العالم، محتلاً المرتبة الـ83 بثروة تُقدر بـ23.9 مليار دولار، بعد أن كانت 13.9 مليارًا فقط في العام السابق، هذا التحول الكبير مدفوع بشكل مباشر بمشروعه الضخم الذي يشكل نقطة تحول في اقتصاد نيجيريا، بطاقة إنتاجية تصل إلى 650 ألف برميل نفط يوميًا، واستعداد لطرحه في بورصتي لاغوس ولندن.

في المقابل، شهد التصنيف الإفريقي عودة أسماء وازنة إلى الساحة المالية، من بينها الجنوب إفريقي جاني موتون، الذي يُعد نموذجًا حيًا على الإصرار وتحقيق الإنجاز بعد الانتكاسة.
موتون، الذي أُقصي بشكل درامي من شركته الأصلية في سن الـ48، أسس في نفس العام مجموعة PSG بالشراكة مع كريس أوتو، وهي اليوم واحدة من أكبر الكيانات الاستثمارية في جنوب إفريقيا، الثقل الحقيقي لثروته ينبع من حصته في بنك Capitec، الذي شهد تحولًا أسطوريًا في قيمة أسهمه من أقل من راند واحد إلى أكثر من 3100 راند. خلال العام الماضي فقط، ارتفعت أسهم البنك بنسبة 59%، ما أعاد موتون إلى قائمة فوربس بثروة بلغت 1.6 مليار دولار.

وفي شمال القارة، يبرز اسم المغربي أنس الصفريوي، الذي عاد بدوره إلى نادي المليارديرات مع تحسن أداء مجموعته العقارية “الضحى”، بعد سنوات من الضغوط، حيث شهد القطاع العقاري المغربي انتعاشًا ملحوظًا مدعومًا بزيادة الطلب على المساكن وعودة ثقة المستثمرين، ما رفع القيمة السوقية لمجموعة الصفريوي إلى 17 مليار درهم، أي ما يعادل 1.7 مليار دولار. الصفريوي لا يكتفي بمجال العقار، إذ يترأس أيضًا مجموعة “إسمنت إفريقيا” التي تمتد عملياتها إلى 12 دولة وتملك طاقة إنتاجية ضخمة تصل إلى 16 مليون طن سنويًا، ثروته المقدرة بـ1.6 مليار دولار تجعله يتقاسم المرتبة العالمية 2110 مع مواطنه عثمان بنجلون، ما يعكس الحضور المتزايد لرأس المال المغربي في مشهد الثروات العالمية.

هذا التوسع في الثروات الإفريقية لا ينفصل عن مسار عالمي يشهد تغييرات هيكلية في تمركز الثروة، لكنه في الحالة الإفريقية يكتسب أهمية استثنائية نظرًا لخصوصية السياق، فالقفز فوق حاجز المئة مليار دولار ليس مجرد مكسب رمزي، بل هو مؤشر على نضج تدريجي في بيئات الأعمال، وتطور في أساليب إدارة رأس المال، وقدرة بعض رجال الأعمال على الاستثمار في قطاعات استراتيجية مثل الطاقة، العقار، التمويل، والتعليم، رغم التحديات الهائلة.

من الواضح أن إفريقيا بدأت تكتب فصلًا جديدًا في قصتها المالية، فصلًا تقوده شخصيات طموحة تستثمر في الداخل وتراهن على مستقبل القارة، وبينما لا يزال الطريق طويلًا أمام القارة لتحقيق توزيع عادل للثروة والتنمية، فإن هذه المؤشرات تحمل في طياتها بذور أمل وملامح تغيير قد تعيد رسم المشهد الاقتصادي الإفريقي في السنوات المقبلة.

هكذا تقدم التقارير الباردة قصة ذا الصعود للمليارديلات لبضع افراد في إفريقيا، غير أن خلف هذه الصورة الوردية، تسجل الأرقام أن في إفريقيا أكبر ملايين الجوعى، وأكبر ملايين من يعيشون في أقصى درجات الهشاشة والفاقة.

في إفريقيا مثلما ينتشر العوز والفاقة، ينتشر سلم ترقي في جني الثروات المالية لبضع أشخاص، هم في إفريقيا لكنهم ليسوا كذلك أمام استفحال الفقر والحاحة، حد يجعل سؤال التنمية والتوزيع العادل للثروة سؤال معقد وبعيد المنال أن يكون له حد أدنى من الحضور كسؤال مشروع وشرعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى