
أصدقاء رقميون أم تهديدات خفية؟ كيف يدخل الذكاء الاصطناعي عالم المراهقين
في عالم يتسارع فيه انتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI)، أصبح من الواضح أن هذه التكنولوجيا لم تعد مجرد رفاهية تقنية، بل جزءاً لا يتجزأ من حياة الأفراد اليومية، و من بين الفئات الأكثر تفاعلاً مع هذه الأدوات الرقمية، يبرز المراهقون الذين باتوا يستخدمون تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات عدة، تتراوح بين التعليم والترفيه، وصولًا إلى التواصل الاجتماعي.
لكن هذه الظاهرة لم تخلُ من المخاطر، مما أثار العديد من المخاوف حول تأثيرات الذكاء الاصطناعي على المراهقين، خصوصًا في ظل استخدامهم للتطبيقات بطريقة قد تكون بعيدة عن الرقابة والوعي.
تشير دراسة حديثة أجرتها شركة “أورا” إلى أن واحدًا من كل خمسة أطفال يستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل نشط، وأن البعض منهم قد يصل إلى محتوى يتجاوز عمره الافتراضي أو يتنافى مع معايير الأخلاقيات المجتمعية، تضع هذه الإحصائيات العديد من الأسئلة حول تأثيرات هذه التقنية على الجيل الجديد، خاصة في ظل الاستخدام المتزايد للمراهقين لهذه التطبيقات التي تمتد من الواجبات المدرسية إلى محتوى ترفيهي قد يكون مضرًا.
إحدى الأدوات الأكثر استخدامًا في هذا السياق هي الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي يتمتع بقدرة فريدة على إنشاء محتوى جديد بناءً على الأنماط التي يتعلمها،و لا تقتصر تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي على كتابة النصوص أو توليد الصور، بل تشمل أيضًا إنشاء مقاطع موسيقية وفيديوهات قد تكون واقعية لدرجة يصعب معها التمييز بين الحقيقة والخيال، في حين أن هذه الأدوات توفر إمكانيات غير محدودة في مجالات الإبداع والتعليم، فإنها تفتح أيضًا الباب أمام أبعاد جديدة من المخاطر الأخلاقية والمعلوماتية، في تقرير نشره موقع “digitalparenthood”، أشار الخبراء إلى احتمالات تعرض المراهقين للاستغلال الرقمي، خاصة مع إمكانية إنتاج محتوى مضلل أو ضار باستخدام هذه الأدوات.
و من خلال دراسة أجرتها “كومن سينس ميديا”، اتضح أن حوالي 70% من المراهقين قد جربوا الذكاء الاصطناعي بشكل أو بآخر، ومع ذلك، فإن أقل من 40% من أولياء الأمور كانوا على دراية بذلك، و يُظهر هذا الفرق الكبير بين الاستخدام الفعلي من قبل المراهقين والوعي المحدود لدى الأهل، ما يزيد من حجم القلق المتعلق بالتحكم في هذا الاستخدام، إذ يستخدم العديد من المراهقين هذه التطبيقات لأغراض متنوعة، منها المساعدة في أداء الواجبات الدراسية، البحث عن معلومات، بل وحتى في التواصل مع روبوتات الدردشة التي تصبح بمثابة أصدقاء رقميون، وفي بعض الحالات، يتم استغلال هذه الأدوات في تزييف الصور والصوت، أو حتى في المحادثات الجنسية أو التنمر الرقمي.
أما فيما يتعلق بالحماية من هذه المخاطر، فقد وضعت شركة “أورا” تصنيفًا يساعد الأهل في تحديد مستوى الخطورة المرتبط بكل نوع من أدوات الذكاء الاصطناعي. توجد أدوات تصنف على أنها عالية الخطورة، مثل روبوتات التزييف العميق والدردشة الجنسية، والتي قد تؤدي إلى التلاعب العاطفي أو الإدمان.
ومن ناحية أخرى، هناك أدوات متوسطة الخطورة مثل تلك المخصصة للمساعدة في الدراسة، التي قد تُستخدم في الغش أو تسريب البيانات.
وفي الطرف الآخر، توجد أدوات منخفضة الخطورة مثل تلك المستخدمة في الفن والموسيقى، التي يمكن أن تكون آمنة نسبيًا عند استخدامها بشكل مسؤول.
و من أجل تعزيز الوعي وحماية الأبناء، ينصح الخبراء الأهل باتباع عدة استراتيجيات..أولًا، يجب فتح حوارات مباشرة مع الأبناء حول استخدامهم لهذه الأدوات، بحيث يتمكن الأهل من فهم طبيعة استخدامها والتحديات المرتبطة بها.
ثانيًا، ينبغي تشجيع الأبناء على تطوير مهارات التفكير النقدي، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بتقييم المحتوى الذي يقدمه الذكاء الاصطناعي، كما يُستحسن شرح طريقة عمل الخوارزميات لتوضيح أن الذكاء الاصطناعي ليس دائمًا مصدرًا موثوقًا للمعلومات.
كذلك، يجب على الأهل فرض حدود رقمية ذكية لمراقبة استخدام هذه التطبيقات وضمان عدم إساءة استخدامها، أخيرًا، يُوصى بأن يخوض الأهل التجربة بأنفسهم، فيتعرفون على طبيعة هذه الأدوات وبالتالي يمكنهم مراقبة الاستخدام والوقاية من أي مخاطر قد تنجم عنها.
في الختام، تظل أدوات الذكاء الاصطناعي، بما فيها تلك الموجهة للمراهقين، سيفًا ذا حدين، يمكن لهذه التكنولوجيا أن تعزز من مهاراتهم الإبداعية والتعليمية، لكنها قد تحمل أيضًا مخاطر كبيرة إذا لم يتم استخدامها بحذر، لذا من الضروري أن يكون هناك وعي مشترك بين الأهل والمراهقين لتوجيه هذا الاستخدام بما يعود بالنفع دون الوقوع في فخ المخاطر الرقمية.