
انتهى مهرجان “اللوز” بتفراوت يوم الأحد 13 أبريل وسط تصفيقات حارة، أهازيج فلكلورية، وعدسات الهواتف التي لم تهدأ من توثيق المشاهد الجميلة، غير أن عدسة الواقع التقطت مشهداً آخر أقل بهجة، وأكثر صدقاً: طريق متهالكة تتلوى كحية جريحة بين الجبال، تُرغم الزائر على إعادة النظر في قرارات حياته، وربما أيضاً في فكرة العودة مجدداً.
فالطريق المؤدية إلى تفراوت، والتي يُفترض أنها السبيل إلى “ثروة الغد”، كانت في الحقيقة أشبه بمتحف مفتوح للصدوع والتشققات، حواف الطريق تآكلت إلى حد باتت فيه تمارس هواية الاختفاء التدريجي، بينما تقاطعاتها تحولت إلى فخاخ هندسية مموهة تنتظر عجلة سائق شارد أو زائر متفائل أكثر من اللازم، وبينما كان البعض يحصي المقطوعات الموسيقية التي عزفها الفنانون في ساحة المهرجان، كان آخرون يحصون قطع غيار سياراتهم التي تناثرت على امتداد المسار.
المواطنون الذين وفدوا على تفراوت ليس فقط للاستمتاع بمذاق اللوز أو التقاط صور “إنستغرامية” في حضرة الطبيعة، وجدوا أنفسهم وجهاً لوجه مع معاناة سكان يعيشون يومياً داخل هذه العزلة الإسفلتية، في تلك الجبال، حيث الطبيعة باذخة والقلوب دافئة، لا تزال الطرقات بمثابة حلم مؤجل ينتظر أن يستيقظ ضمير ما في دهاليز الإدارة.
وللإنصاف، فإن المسؤولين على الأرجح زاروا المهرجان، وربما صفقوا بدورهم وتذوقوا “اللوز المعسل”، لكنهم، على ما يبدو، لم يأتوا عبر نفس الطريق، أو أنهم انضموا إلى ضميرهم في سبات عميق صم، بكم، عمي لا يفقهونَ نِداء الساكنة، التي لا تطلب الكثير: مجرد طريق لا تتطلب استدعاء الإسعاف لاجتيازها، أو استدعاء القدر لتفادي الأسوأ.
للأسف، الوضع لا يتوقف هنا. فمشكلة الطريق تتواكب مع أزمة مائية حادة تعيشها المنطقة بسبب توالي سنوات الجفاف.
يبدو أن “اللوز” والفرحة بالمهرجان قد لا تصمد طويلاً أمام شبح العطش الذي يهدد السكان، فتخيل أن الطريق في هذه الحالة تشكل مجرد مؤشر صغير على العديد من المشاكل التي تحتاج إلى حلول جذرية، أين هي المشاريع التي يمكن أن تحل معضلة العطش إضافة إلى العديد و العديد من المشاكل الكبيرة لمنطقة صغيرة؟.
وبينما تتحدث الخطط الرسمية عن “الجيل الأخضر 2020-2030″، يبدو أن الطريق إلى هذا الجيل تعيش على “الجيل الثالث” من الإهمال، دون تحديث أو صيانة أو حتى نية صادقة في الإنصات لهموم الناس.
فأن تنظم مهرجاناً يحتفي بالثروات المحلية، دون أن توفر طريقاً يصل إليها، هو كأن تدعو ضيوفك لعشاء فاخر في طابق عاشر دون أن تكلف نفسك عناء إصلاح المصعد.
إن تفراوت التي تفيض بثروات طبيعية وفلاحية، وتحتضن فعاليات تنموية تحت شعارات براقة مثل “أرض اللوز، ثروة الغد”، تستحق أكثر من مساحيق المناسبات، تستحق طريقاً يليق بكرامة ساكنتها، ومشروعاً تنموياً لا يكتفي بتأثيث الخطب، بل يتجسد على أرض الواقع، واللوز، بكل ما فيه من رمزية، لن يكون فعلاً ثروة الغد إذا كان الوصول إليه يمر عبر خرائط الخراب والتجاهل المزمن.
ربما آن الأوان أن يُسأل السؤال الحقيقي: هل التنمية تُقاس بعدد المهرجانات أم بعدد الكيلومترات المعبدة؟ وهل “اللوز” يكفي وحده لستر تشققات الطريق؟ أما الزوار، فيكفيهم الآن أن يقولوا: “زرنا تفراوت، ونجونا بأعجوبة”.