الرئسيةرأي/ كرونيك

سعيد يقطين: المغرب الثقافي 2030

من يزر المعرض الدولي للكتاب في الرباط، يتبين له بجلاء حضور الكتاب والكاتب المغربيين، والقارئ أيضا. وكل ما يقال عن انحسار القراءة في زمن الوسائط لا أساس له.

صحيح ليس الأمر على الشاكلة التي ينبغي أن تكون عليها، بما يتوفر عليه المغرب الثقافي من إمكانيات وممكنات، لا تجد الفرصة للانبثاق وتأكيد الحضور بسبب عدم الاهتمام والتشجيع.

فالكتاب المغربي في الدراسات والإبداعات يحصل على جوائز عربية سنويا. والناشرون والقراء العرب يقبلون على إنتاجات الكتاب المغاربة.

هذا الزخم الذي لا يحظى بالاهتمام الإعلامي يبرز بجلاء في تظاهرة الكتاب من خلال المعرض. ويتطلب استيعاب ما يزخر به المغرب الثقافي من إمكانات إعادة النظر في أهمية العمل الثقافي وضرورته لتشييد مغرب يسير برجلين وبسرعتين متوازيتين.

لقد بدأت التحولات الجديدة التي بات يعرفها المغرب، منذ بداية الألفية الجديدة، تجذب الالتفات إلى ما يشهده من تطورات نوعية وعلى مستويات عديدة.

فمن تظاهرة قطر الكروية إلى منجزات الأشبال في الرياضة، وحفظ القرآن، إلى تألق ابتهال أبو السعد وشخصيات علمية أخرى عالميا، مرورا بكل المنجزات التي تؤكد مسارات جديدة في بناء مغرب جديد يؤكد أن العزيمة والإرادة قادرتان على تحقيق ما كان يبدو بعيدا أو مستحيلا في زمان قريب.

ظلت الطريق الوطنية الأولى التي تربط بين الصخيرات والرباط (قلب المغرب) على عهدها كما تركتها فرنسا، وقد صارت الطريق السريع بديلا عنها. لكن هذه الطريق منذ حوالي سنة أصبحت طريقا حقيقية بمواصفات عليا، خاصة بين عين عتيق وتمارة.

لم يمس هذا التحول فقط بنيات الطرق العمومية. لقد امتد إلى محاربة السكن العشوائي، ومدن الصفيح في كل من الرباط وتمارة والصخيرات والدار البيضاء ومدن أخرى. ولا يمكن لمن يزور الرباط بعد غياب قصير إلا ويجد نفسه أمام تحولات دائمة تقدم صورة جميلة عنها.

إذا كان الملك الراحل الحسن الثاني قد اهتم بالسدود، فإن عهد محمد السادس شهد الاهتمام بالبنيات التحتية للمغرب، وإنجاز المشاريع العملاقة، وإعادة هيكلة المدن التي ظلت مهمشة، خاصة مدن الشمال، وبعض المناطق القروية وغيرها، ومدها بمقومات تحول بينها وبين «الترييف»، الذي كان سائدا فيها، خاصة الدار البيضاء، فبتنا فعلا أمام مدن عصرية وجميلة ما تزال تتطلب الكثير من العناية والاهتمام، لتكون في مستوى يليق بساكنتها وزائريها، وبما يزخر به المغرب من إمكانات وطاقات.

لقد ظل هاجس عصرنة المدينة المغربية مطروحا منذ بداية الألفية الجديدة. توقف الكثير من المشاريع، بسبب الفساد وانعدام المسؤولية لدى بعض المجالس والجماعات، لكن الترشح لكاس العالم 2030 أعطى صورا واعدة على الجدية والسرعة في الإنجاز والمتابعة، فصارت النتائج تبدو واضحة للمقيم والعابر.

لم تشمل العناية فقط البنيات التحتية المتصلة بالطرق والمعابر والمعمار، بل اتسع لدور الشباب، وملاعب القرب، والمسارح، والقاعات المتعددة الوسائط والجامعات وكليات جديدة في مناطق متعددة، ما يؤكد أننا فعلا نعيش تحولات كبيرة مست البنيات التحتية التي كان من الممكن إنجاز الكثير منها منذ بداية الاستقلال، وأن الطريق معبدة الآن لتشييد مغرب جديد، بكل ما في الكلمة من معنى.

ولعل تطوير الشبكة الطرقية والسكك الحديدية والموانئ بطريقة عصرية يحد من العزلة والفجوة التي كانت سائدة بين المدينة والبادية، خاصة المناطق النائية والجبلية، ويجعلنا فعلا أمام وضع مختلف عن التمييز الذي ظل قائما بين مغرب نافع وآخر غير نافع.

لست ممن يتخذون مواقف سلبية ومسبقة من الرياضة، ولا من تنظيم المسابقات الدولية في بلدنا، وهم يتساءلون عن آثارها ومردوديتها بالقياس إلى متطلبات أكثر أهمية تستدعي الاهتمام، خاصة ما اتصل منها بالبطالة وغلاء الأسعار، وسبل العيش وكرامة المواطن، وما شابه هذا من القضايا الحيوية، التي تهم المواطن في حياته اليومية، أن أرى أن بعض المناسبات تكون مفيدة لتعجيل إنجاز ما تأخر تحقيقه رغم مرور عدة عقود من الاستقلال، وأهمية ذلك لا تخفى على أحد.

إنها تحفز على المثابرة، وتحمل المسؤولية، والمتابعة. كما أنها تولد ثقافة جديدة لدى المهتمين بالشأن العام. ويبدو لي أن هذا من أهم الدروس التي ينبغي أن تتعلمها المجالس والبلديات في التسيير والتدبير التي تربت على التباطؤ، وعدم المتابعة في غياب المحاسبة، فكانت تتصرف وفق مشيئتها، ولا تهتم إلا بمصالح القائمين بها.

يضيق المجال عن تقييد ما يعرفه بلدنا من تحولات إيجابية، كنا نحلم بها في السبعينيات والثمانينيات، خاصة ما ارتبط منها بالبنيات التحتية.

إن البنيات التحتية وهي تعرف تحولا جذريا تتعلق بالفضاء، الذي نتحرك فيه، لكن تطوير الفضاء من دون ربطه بالزمن يظل ناقصا ومختلا، وليس الزمن سوى البنيات الفوقية المتعلقة بتجربة حياة الإنسان وهي تتحرك في هذا الفضاء.

إن القدم التي تتحرك في فضاء جميل إذا لم يواكبها دماغ يفكر بطريقة سليمة لا تكون لها أي قيمة.

فالطرق السيارة الرائعة، إذا لم يواكبها وعي سائق ذي ثقافة ووعي حضاري متقدم تكون طريق القتل والصراع والتسابق بين سائقين متهورين.

كما أن المسرح الذي نبنيه وفق معمار لا حد لجماليته وتكامله، إذا لم تكن تقدم فيه يوميا مسرحيات يحج إليها الجمهور الواسع والمتنوع للاستمتاع بالفن الراقي والمعرفة السامية، لن يكون سوى فضاء لتقديم برامج لا يلتفت إليها إلا من يستدعى لالتقاط الصور.

إننا في حاجة إلى بنيات تحتية رائعة، ونحن أحوج إلى بنيات فوقية سامية، وبكلمة لا بد من رجلين نمشي عليهما وبسرعة واحدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى