
صحافي تونسي يكتب..الصحراء أولا أم المغرب الكبير؟
من يسبق الآخر؟ هل يتقدم الحل النهائي للمشكل الصحراوي على فكرة الاتحاد المغاربي؟ أم أنه حتى إن تأخر الأول فإن ذلك لا يعني بالضرورة عدم تحقق الثاني؟
بعد أكثر من ربع قرن لا يزال السؤال حاضرا بقوة في أذهان المهتمين بمصير المنطقة. فما أقدم عليه المغاربة والجزائريون أواخر الثمانينيات وبوساطة سعودية، بدا حينها أشبه بالتجربة الفريدة من نوعها والمغامرة المجهولة العواقب.
لقد اتفقوا أخيرا، وفي أعقاب سنوات مريرة من الخلافات والصراعات على أن يحكموا عقولهم ويتركوا القضية الصحراوية، التي كانت مصدر تجاذب كبير بينهم جانبا، قابلين بما ستقرره هيئة الأمم بشأنها، وعازمين في الأثناء على نفض الغبار عن طموح، لطالما ناضل آباؤهم وأجدادهم من أجله، وهو العيش وبشكل ما داخل كيان واحد.
ومن المؤكد أن توقيعهم في السابع عشر من فبراير سنة 1989 مع الليبيين والتونسيين والموريتانيين في مراكش، على المعاهدة التأسيسية لاتحاد المغرب العربي، أنعش آمال الكثيرين، في أن يتغير وجه المنطقة في غضون سنوات معدودة. لكن قليلين فقط هم من انتبهوا في ذلك الحين الى أن واحدا من بين بنود تلك المعاهدة وهو البند الخامس عشر كان ينص على الآتي: « تتعهد الدول الأعضاء بعدم السماح بأي نشاط أو تنظيم فوق ترابها يمس أمن أو حرمة تراب أي منها، أو نظامها السياسي. كما تتعهد بالامتناع عن الانضمام إلى أي حلف أو تكتل عسكري أو سياسي يكون موجها ضد الاستقلال السياسي، أو الوحدة الترابية للدول الأعضاء الأخرى».
عبّر المغرب والجزائر في بعض المناسبات، عن تبرمهما من الاتحاد وعدم رضاهما على الطريقة التي يعمل بها، لكنهما لم يقدما، رغم انتقاداتهما له، على أخذ قرار بالانسحاب منه
وطبعا لم يوضع ذلك البند عبثا أو لمجرد ملء الفراغ، فقد حرص المغاربة، بالدرجة الأولى، على أن يحصلوا من خلاله على ما يمكن اعتباره نوعا من الضمانة القانونية والسياسية، من جانب جيرانهم الجزائريين، بأن ينأووا بأنفسهم عن تقديم أي دعم لجبهة البوليساريو، التي كانوا يؤوونها ويمولونها ويسلحونها في نزاعها مع الرباط.
لقد عقد الطرفان ما يشبه الاتفاق الضمني بينهما حول تلك المسألة بالذات. لكن الخطوط العريضة لتوافقهما ظلت غامضة إلى حد كبير، وربما بقيت معظم التفاصيل حولها إلى الآن مجهولة. والسؤال الذي طرح نفسه هو، هل كانت الجزائر قادرة فعلا على الالتزام بالتخلي بشكل ما عن البوليساريو، والمضي إلى الآخر في إقامة مشروع اتحاد مغاربي كبير؟
لقد كان تطبيق ذلك البند بصرامة، كفيلا ربما بدفن الجبهة، وكان يعني عمليا أنه لن يعود لها وجود مؤثر في المنطقة، لأنه لن يكون لها موضع قدم ثابت في أي دولة من دول الاتحاد المغاربي.
لكن كان واضحا أن الطرفين لم يتفقا على موقف حاسم ومشترك حول مصيرها، وكل ما رغبا فيه، في ذلك الوقت، هو أن يمنحا نفسيهما هدنة قصيرة ربما اعتبر كل واحد منهما أنها ستكون مفيدة وضرورية له لتنفيذ خططه المستقبلية.
ولم يكن الاتحاد المغاربي في تلك الحالة، سوى غطاء براق وخادع لما كان يمور في الداخل من صراعات دفينة، كانت تنتظر أول فرصة لها حتى تخرج إلى السطح. وكانت كل المؤشرات تدل على أن واحدا من بين التفاهمات الأولية التي حصلت بينهما هو، أن تجمد نشاطات الجبهة على الأقل لفترة ما.
لكن هل كان مثل ذلك الاتفاق واقعيا؟ وهل كان قويا وصلبا بالدرجة التي حالت دون انهياره بعد مدة قصيرة؟ قطعا لا. فقد دخلت عدة عوامل على الخط منها المحلي، ومنها الخارجي، ولم يكن طموح القائدين الراحلين الملك الحسن الثاني والرئيس الشاذلي بن جديد، وحسن نواياهما كافيين وحدهما لمنع اصطدام المشروع المغاربي مبكرا ومنذ سنواته الأولى بعقبة الصحراء.
وقد ألقت لاحقا بعض الحوادث التي حصلت في مناطق حدودية، واتهمت فيها الرباط جارتها الغربية بالضلوع في تقديم الدعم لعناصر من البوليساريو، ظلالها، لا على علاقة البلدين فقط، بل على الاتحاد المغاربي كله، وبدلا من أن يمنح ذلك الاتحاد الفرصة للجزائريين والمغاربة حتى يجلسوا إلى بعضهم بعضا، ويتحاوروا حول كل القضايا والخلافات التي ما زالت تشغلهم، وفي مقدمتها قضية الصحراء، فإنه كان الضحية الأولى لخلافاتهم حول تلك القضية، التي كانت أشبه ما تكون بالعربة التي وضعت أمام الحصان.
ومنذ منتصف التسعينيات، وتحديدا مع أخذ الجزائر قرارا سياديا بغلق حدودها البرية مع المغرب، من جانب واحد، كان كل شيء قد انتهى بالفعل.
ولم يعد عمليا هناك من وجود لكيان حقيقي يسمى اتحاد المغرب العربي، اللهم إلا على الورق، أو في بعض المناسبات القليلة والمحدودة.
ومع أنه وعلى امتداد كامل السنوات الماضية ظل كل واحد من البلدين يلقي مسؤولية حالة الانسداد والشلل والعزلة التي يعرفها ذلك الاتحاد على الآخر، إلا أنه لا أحد منهما عاد إلى جذور الأزمة، أي إلى المنطلق الأول، وهو المصالحة التي حصلت أواخر الثمانينيات في زيرالدا الجزائرية، وقادت الى التوقيع في مراكش على إنشاء الاتحاد المغاربي.
لقد فضلا في ذلك الوقت أن لا يتفاهما على حل نهائي مشترك للمشكل الصحراوي، وتركا الأمر لهيئة الأمم، لكنهما اتفقا بالمقابل على إنشاء كيان إقليمي مشترك أملا في أن يحد من خلافاتهما، من دون أن يحسما بشكل سريع وقبل الشروع في وضع لبناته الأولى في مصير كيان هجين كان يعيش داخله، ويلقى دعم ورعاية دولة من دوله. لكن هل أنهما أخطآ فعلا حين قاما بكل ذلك؟ وهل أن المصالحة التي حصلت بينهما في تلك الفترة كانت وهمية ومغشوشة؟
لقد عبّر البلدان وفي بعض المناسبات عن تبرمهما من ذلك الاتحاد وعن عدم رضاهما على الطريقة التي يعمل بها، لكنهما لم يقدما، رغم الانتقادات التي كانا يوجهانها له، على أخذ قرار بالانسحاب منه، ولم تحصل إلى الآن لا في الجزائر ولا في المغرب ولا في باقي الدول المغاربية الأخرى، أي مكاشفة مفتوحة، أو أي حوار صريح وجدي حول مآل التجربة، التي حصلت قبل أكثر من ربع قرن، أي تجربة تأسيس اتحاد مغاربي فوق برميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة يسمى المشكل الصحراوي.
والنتيجة الآن صارت واضحة وضوح الشمس فليس هناك إلى اليوم لا اتحاد مغاربي فعلي، ولا حل بات ونهائي للقضية الصحراوية.
والسؤال هو هل بات من الضروري في تلك الحالة أن تتغير الأولويات، وأن يركز المغاربيون جهودهم على إيجاد تسوية نهائية لتلك القضية، بدلا من ملاحقة سراب البحث عن اتحاد ظهر أنه لن يتحقق ما لم تتم ازاحة تلك العقبة الكأداء من طريقه؟
ربما قد يقول البعض لننتظر إذن حتى ينتهي النزاع الصحراوي لنشرع بعدها في التفكير والتخطيط لكيان مغاربي مشترك. لكن ألم يقل آخرون قبلهم لننتظر حتى يتكون اتحاد المغرب العربي فنفتح حينها ملف الصحراء؟ حقا ما أغرب المغاربيين.
المصدر: القدس العربي