
منتدى: لا ديمقراطية ولا مواطنة ممكنة دون إعلام مهني ومستقل
في سياق عالمي متقلب، تشهد فيه حرية الصحافة تراجعات مقلقة على أكثر من صعيد، جاء بيان منتدى الإعلام والمواطنة بالمغرب بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة ليؤكد أن الصحافة الحرة ليست امتيازًا تمنحه السلطة، بل شرطًا جوهريًا لقيام مواطنة فاعلة وعدالة اجتماعية ومؤسسات ديمقراطية حقيقية.
في هذا السياق، أصدر منتدى الاعلام والمواطنة بيانا يربط فيه بين حرية الإعلام وبين أسس الحياة المدنية، ويعتبر أن لا ديمقراطية ولا مواطنة ممكنة دون إعلام مهني ومستقل، يستند إلى المعرفة والشفافية ويشتغل خارج منطق الولاءات السياسية والمصالح المالية، و ذلك تحت شعار”الصحافة في وجه التضليل… الحقيقة أولاً”، شعارٌ لم يكن اختياره اعتباطيًا، بل عكس الانشغال الدولي المتنامي بظاهرة المعلومات الزائفة وتراجع الثقة في الوسائط الإعلامية التقليدية أمام صعود نماذج رقمية تفتقر في كثير من الأحيان إلى الضوابط الأخلاقية، و في هذا الإطار، شدد منتدى الإعلام والمواطنة على مركزية الحقيقة في العمل الصحافي وعلى أهمية التصدي لمظاهر التضليل، من خلال ضمان بيئة حاضنة للصحافيين تمكنهم من أداء أدوارهم دون تهديد أو ابتزاز.
كما توقف البيان عند الوضع الدولي للصحافيين، مبرزًا حجم التضحيات الجسيمة التي يقدمونها، لاسيما في مناطق النزاع التي تحوّل فيها الصحفي إلى هدف مباشر، لتأتي الإشارة الخاصة إلى فلسطين المحتلة من أجل تسليط الضوء على مأساة الإعلاميين الذين يُغتالون يوميًا أثناء محاولتهم نقل الحقيقة من قلب الميدان، وهي مأساة تؤكد هشاشة الحماية الدولية لحرية الصحافة وتُبرز الحاجة إلى تحرك جماعي من أجل صون الكلمة الحرة.
بهذا الخصوص، يشار أنه محليًا، يوجه منتدى الاعلام والمواطنة تركيزه نحو الواقع الإعلامي المغربي، حيث يبرز عددًا من التحديات البنيوية التي تستدعي إصلاحًا شاملًا للقطاع.
ومن هنا حسب منتدى الاعلام والمواطنة، تأتي في مقدمة هذه المطالب، الدعوة إلى توفير ضمانات قانونية ومؤسساتية تكفل الحماية الفعلية للصحافيين وتكرّس استقلالية الوسائط الإعلامية عن مراكز القرار السياسي والاقتصادي، كما يشدد المنتدى على ضرورة إطلاق نقاش وطني واسع حول مستقبل الإعلام المغربي، نقاش لا ينبغي أن يكون شكليًا، بل يجب أن ينطلق من قناعة أن الإصلاح الإعلامي جزء لا يتجزأ من إصلاح شامل للمشهد العمومي.
و ضمن هذا المسار الإصلاحي، يولي البيان أهمية خاصة للإعلام العمومي، مشيرًا إلى الحاجة الملحة لتحريره من القيود التي تحُول دون قيامه بوظيفته التعددية، ويقترح منتدى الإعلام و المواطنة أن يكون هذا الإعلام فضاءً حقيقيًا للنقاش الحر، يحتضن الرأي والرأي الآخر، ويعكس تنوع المجتمع المغربي وتعدديته الثقافية والفكرية، فالمقصود هنا ليس مجرد تحسين البرمجة أو تنويع المضامين، بل إعادة تعريف الوظيفة الاجتماعية للإعلام العمومي في ظل التحولات الراهنة.
الرؤية التي يعرضها منتدى الإعلام والمواطنة لا تتوقف عند المعالجة المؤسساتية، بل تمتد إلى الجوانب التربوية والمجتمعية، فإحدى ركائز البيان هي تعزيز ثقافة المواطنة الإعلامية، خاصة لدى الفئات الناشئة والمؤطرين التربويين، من أجل بناء وعي نقدي قادر على التمييز بين الحقيقة والدعاية، وعلى فهم الأدوار المتعددة التي تلعبها وسائل الإعلام في الحياة العامة.
هذا التوجه يتقاطع مع دعم المبادرات الإعلامية المستقلة التي تدمج البعد الرقمي وتستثمر في الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي ومسؤول، ضمن رؤية منسجمة مع أهداف التنمية المستدامة.
هذا ويضع البيان نصب عينيه قضية البيئة الإعلامية ومناخ الممارسة الصحافية، حيث يدعو إلى عمل جماعي ومشترك بين مختلف الفاعلين لتعزيز حرية الصحافة ضمن مقاربة تدمج البعد المهني مع ما هو أخلاقي واجتماعي.
و في هذا السياق، يعبر منتدى الإعلام والمواطنة عن رغبته في المساهمة في بناء مشهد إعلامي منصف، يُقاوم خطاب الكراهية، ويُنبذ الشائعة، ويُعلي من شأن الحقيقة باعتبارها قيمة مركزية في صناعة المحتوى الإخباري.
وفي ختام بيانه، وجه منتدى الإعلام والمواطنة تحية إلى الصحافيين الذين يشتغلون في ظروف معقدة وإكراهات متزايدة، ويؤدون مهامهم بتفانٍ والتزام، مؤمنين بدورهم الحيوي في نقل الحقيقة، فاليوم العالمي لحرية الصحافة، اليونسكو، كما يراه منتدى الإعلام والمواطنة، ليس لحظة احتفال روتيني، بل مناسبة لتجديد الالتزام بمبادئ الحرية والمعرفة والكرامة، وللتنبيه إلى أن تآكل الممارسة المهنية في ظل هيمنة التفاهة ومضايقة وسائل التواصل الاجتماعي للإعلام الجاد، يضع الجميع أمام مسؤولية تاريخية: إما الانخراط في مشروع إصلاحي حقيقي، أو ترك المجال للفراغ والمغالطة.