
مدونة الأسرة بين مطرقة التحولات وسندان التشريع: أي مستقبل لمشروع قانون 2025؟
في سياق الجدل المتصاعد حول مراجعة مدونة الأسرة، تم تنظيم لقاء حواري من طرف مجموعة “أوال – حريات” في 25 أبريل 2025 بمدينة الدار البيضاء، وذلك بمشاركة ممثلات عن الحركة النسائية وحقوق المرأة، إلى جانب برلمانيات من مختلف الفرق السياسية داخل البرلمان المغربي.
و شكل اللقاء مناسبة لصياغة نداء جماعي يهدف إلى الدفع بإصلاح شامل وعميق لمدونة الأسرة، التي لم تَعد، حسب العديد من الفاعلين، قادرة على مواكبة التحولات التي يعيشها النسيج المجتمعي المغربي.
إن الرؤية التي عبرت عنها “أوال – حريات” لا تقف عند حدود التوصيف أو التنظير، بل تجسدت في خطوة عملية ممثلة في مذكرة مرجعية حملت عنوانًا معبرًا: “أسر متعددة: من أجل المساواة داخل الأسر والمساواة بين الأسر”، وهي، وفق المنظمات للقاء، مذكرة تؤسس لفهم أكثر واقعية للأسرة المغربية بتعدد تركيباتها وأوضاع أفرادها، كما تقدم قراءة قانونية جديدة تتجاوز النمطية وتضع الإنسان، كل إنسان، في قلب التشريع.
و بذالك لم يكن اللقاء الذي نظمته “أوال – حريات” مجرد مناسبة لتبادل الرؤى، بل شكل محطة ترافُعية استراتيجية ضمن حملة واسعة تطلقها الجمعية على امتداد سنة 2025، تهدف إلى الدفع نحو إصلاح شامل لمدونة الأسرة “قانون الأسرة” ، يستند إلى المرجعيات الدستورية، ويتقاطع مع التزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان.
وقد ركزت مداخلات المشاركين في هذا اللقاء على الحاجة الملحة لتحديث الإطار القانوني المنظم للعلاقات الأسرية، انطلاقًا من واقع تنوع وتعدد البُنى الأسرية في المغرب، وتغير الأدوار داخل الأسرة، ما يستدعي نصًا قانونيًا أكثر وضوحًا وانسجامًا واستجابة للواقع المعاصر.
لتأخر في إخراج مشروع القانون الجديد لمدونة الأسرة
هذا وكان، من أبرز المحاور التي أثيرت خلال هذا اللقاء، مسألة التأخر في إخراج مشروع القانون الجديد لمدونة الأسرة، حيث دعت المجموعة الحكومة إلى التعجيل بطرح هذا المشروع، على أساس أن يتضمن مبادئ المساواة وعدم التمييز المنصوص عليهما في الدستور، مع ضرورة مواءمة مضامينه مع المواثيق الدولية التي التزم بها المغرب، وعلى رأسها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، وشددت المداخلات على أن أي مشروع دون هذه المرجعيات سيظل قاصرًا عن تحقيق العدالة الأسرية التي تشكل جوهر الإصلاح المنشود.
في هذا السياق، طُرحت إشكالية الغموض القانوني الذي يكتنف بعض المفاهيم والتعريفات في المدونة الحالية، ما يفتح المجال أمام تفسيرات متضاربة قد تؤدي إلى تأويلات تمييزية، هذا وأكد الحاضرون على أن معالجة هذا الخلل تتطلب نصًا دقيقًا ومضبوطًا يضع حدًا للتأويلات المتناقضة ويكرس وضوحًا تشريعيًا يُسهل على القضاء مهامه وعلى المواطنين معرفة حقوقهم والتزاماتهم.
و ضمن السياق نفسه، أبرزت “أوال – حريات” ضرورة ألا يقتصر الإصلاح على الجانب التقني أو القانوني، بل أن يكون مؤطرًا برؤية شمولية تستحضر قيم العدل والمساواة والتضامن، وهي القيم التي جاءت صريحة في الرسالة الملكية المؤرخة في 26 شتنبر 2022، والتي دعت إلى مراجعة مدونة الأسرة في إطار مرجعية إسلامية منفتحة، تستحضر الاجتهاد المتجدد، وتنسجم في الآن ذاته مع القيم الكونية التي صادق عليها المغرب، وقد شددت المداخلات على أن إدماج هذه التوجيهات الملكية ضمن صلب مشروع القانون يمثل ضمانة لاستقرار النص الجديد وتماشيه مع التوجهات العليا للدولة.
في ضوء ذلك، تمت الدعوة إلى إشراك فعلي وواسع لجميع الفرقاء خلال مراحل صياغة ومناقشة واعتماد مشروع القانون، انطلاقًا من مبدأ المشاركة الديمقراطية التي تشكل أحد مرتكزات الدستور المغربي، المقاربة التشاركية لم تُطرح كخيار، بل كضرورة سياسية ومجتمعية لتفادي إنتاج نص غير منسجم مع حاجات المجتمع وتطلعاته، خاصة مع تنامي مطالب الحركة الحقوقية والنسائية بضرورة تحقيق التوازن داخل الأسرة والاعتراف بتنوعها.
كما لم تغب عن النقاش مسؤولية الفاعلين الدينيين، إذ دعا المشاركون العلماء إلى اعتماد اجتهادات فقهية متجددة تتماشى مع متطلبات العصر، انسجامًا مع التوجيهات الملكية التي تحث على تطوير المنظومة الفقهية المؤطرة للعلاقات الأسرية بشكل يراعي الواقع ويخدم استقرار المجتمع، فالنصوص القانونية، مهما كانت دقتها، تظل رهينة لقراءات وتأويلات فقهية ينبغي أن تتطور بالموازاة معها لضمان فعالية الإصلاح المنشود.
أما عن الحركة النسائية، فقد تم التأكيد على أهمية استمرارها في الترافع والتعبئة من أجل الضغط باتجاه إخراج مدونة أسرة أكثر عدالة، وتم التأكيد أيضا على أن الفاعلات في هذا المجال يمتلكن موقعًا استراتيجيًا لإيصال صوت المتضررات من النص الحالي، وتسليط الضوء على مكامن الخلل التي تمس بشكل مباشر الحقوق الأساسية للنساء والأطفال.
دور الإعلام في مواكبة الإصلاح
وارتباطًا بهذا المعطى، أثيرت أهمية دور الإعلام، سواء العمومي أو الخاص، في مواكبة هذا الإصلاح، ودُعيت مختلف المؤسسات الإعلامية إلى العمل على تحسيس الرأي العام بالتحديات التي تعيشها النساء والأطفال نتيجة الثغرات القانونية، وإلى المساهمة في خلق نقاش عمومي مسؤول يبتعد عن التشنج الأيديولوجي وينصب على جوهر القضايا الحقوقية المطروحة، وقد وُضع الإعلام أمام مسؤولية المساهمة في التثقيف القانوني وفي تقوية الوعي المجتمعي بالحاجة إلى إصلاح منصف وعصري لمدونة الأسرة.