الرئسيةسياسة

برلمانية على الخشبة: بطولة في التمثيل بامتياز

تحرير: جيهان مشكور

لم تمرّ مشاركة الممثلة والبرلمانية فاطمة خير خلال اللقاء الذي نظمه حزب التجمع الوطني للأحرار بمدينة الداخلة مرور الكرام، إذ تعرضت مداخلتها التي غلب عليها طابع الإشادة والمديح برئيس الحزب عزيز أخنوش إلى موجة انتقادات واسعة اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي.

 

جاء اللقاء ضمن ما أطلق عليه “مسار الإنجازات” والذي يفترض أن يكون مناسبة لعرض حصيلة العمل الحكومي، لكنه أفرز نقاشًا آخر حول طبيعة الخطاب السياسي وتوازناته، لاسيما حين يصدر عن شخصية جمعت بين الفن والعمل البرلماني، فالانتقادات التي طالت فاطمة خير لم تركز فقط على مضمون كلمتها، بل طالت أسلوبها الذي وُصف بالمبالغ فيه، حتى إن البعض شبّه تدخلها بمشهد سينمائي مصمم بعناية لتلميع صورة أخنوش وحزبه، في وقت يرزح فيه المواطن تحت وطأة أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة، من ارتفاع الأسعار إلى هشاشة الخدمات العمومية، لتلوح فجوة صارخة بين ما يُروّج له من “إنجازات” وبين الواقع اليومي للمواطن العادي، الأمر الذي جعل كثيرين يرون في تصريحات فاطمة خير نوعًا من الانفصال عن نبض الشارع، وربما عن الدور الذي يفترض أن تؤديه كبرلمانية تمثل صوت الناس.

خرجة فاطمة خير ة وتعيين لحسن السعدي كاتب دولة وجهان لعملة واحدة

وفي خضم هذا الغضب الرقمي، لم تخلُ التحليلات من بعد سياسي أكثر عمقًا، إذ تساءل كثيرون عما إذا كانت خرجة فاطمة خير مجرد تعبير عن قناعة حزبية، أم أنها تعكس طموحًا شخصيًا في التموقع داخل دوائر القرار، تصاعدت هذه التساؤلات بعد تعيين زميلها في الحزب، لحسن السعدي، كاتبًا للدولة، رغم ما أثير حول افتقاده للمؤهلات العلمية اللازمة، وهو ما دفع ببعض المعلقين إلى الاعتقاد بأن خير تسعى هي الأخرى لركوب موجة الترقية السياسية داخل منظومة تقوم على الولاء الحزبي أكثر من الاستحقاق والكفاءة.

هذا و لم يقف الجدل عند حدود النقد الجاد، بل أخذ منحى ساخرًا من خلال حملة رقمية تدعو إلى إدخال الفنان رفيق بوبكر رفيق بوبكر (مواليد 12 مارس 1973 ممثل مغربي بدأ مسيرته الفنية سنة 2001 بفيلم غراميات الحاج المختار الصولدي) إلى البرلمان، في مقارنة تهكمية بين شخصيته المعروفة بالعفوية والحدة في التعبير، معتبرين أن عفويته وانتقاداته الصريحة لمظاهر الترف السياسي تجعله أكثر تعبيرًا عن نبض الشارع “بلا زواق ولا نفاق”، وبين ما اعتبروه “تصنّعًا سياسويًا” في خطاب فاطمة خير، يكشف هذا التفاعل الساخر عن عمق أزمة الثقة بين المواطنين وممثليهم المنتخبين، خاصة عندما يُنظر إلى مشاركة بعضهم في الفعل السياسي كامتداد لأدوار فنية أكثر منها التزامًا سياسياً حقيقيًا.

أعادت هذه الحادثة إلى الواجهة نقاشًا متجددًا حول مدى نجاعة ظاهرة استقطاب الفنانين إلى الحياة السياسية.

فبينما ترى بعض الأحزاب في هذه الخطوة وسيلة لربح الوجاهة الجماهيرية والانتخابية، يطرح عدد من المحللين أسئلة جوهرية عن أهلية هؤلاء لأداء وظائف تمثيلية وتشريعية داخل مؤسسات الدولة، فالفنان، بحكم رمزيته، كان يُنظر إليه تاريخيًا كضمير نقدي للمجتمع، لا كأداة في صناعة خطاب السلطة.

مع حكومة أخنوش مش حتقدر تغمض عينيك

وتحت شعار مع حكومة أخنوش مش حتقدر تغمض عينيك، ننتقل من زواج السلطة بالمال إلى زواج السلطة أو السياسة بالفن،فالفنان بطبعه صوتٌ ناقدٌ، وحين يتحول إلى مدافع عن السلطة، يفقد جزءًا من مصداقيته الإبداعية..، والسياسي الجيد هو من يستمع إلى النقد ويعترف بالأخطاء قبل أن يروج لإنجازات.

إن الأزمة الحقيقية ليست في المديح أو النقد فحسب، بل في فجوة الثقة بين المواطنين وممثليهم، وفي حاجة الخطاب السياسي إلى صدمة صدق تواجه تحديات الواقع لا إلى تنميق يبتعد عن هموم الناس،

فبينما يعرف الشارع المغربي حالة من التململ المتزايد بسبب تدهور الأوضاع المعيشية، تعتمد الحملات التواصلية على التسويق الوجاهي بدل الاعتراف بالواقع وتقديم حلول ملموسة، ما قد يأتي بنتائج عكسية، إذ إن المواطن اليوم لم يعد يتلقى الرسائل السياسية بنفس السذاجة التي كان عليها في السابق، بل أصبح فاعلًا ناقدًا، يملك من أدوات التعبير الرقمي ما يجعله قادرًا على قلب الموازين الإعلامية في لحظات.

أن ما نحتاجه فعلًا اليوم هو برلمانيون يعبرون بصدق عن هموم الناس؟ فما بين فن التمثيل والعمل السياسي، يبقى الخيط رفيعًا، والامتحان الحقيقي في الميدان، حيث لا ينفع التصفيق إذا كان الجمهور غاضبًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى