اقتصادالرئسية

تعاون استراتيجي بين اتصالات المغرب وإنوي

في تطور مفاجئ يعكس تغيراً جذرياً في موازين سوق الاتصالات المغربي، أنهت شركتا “اتصالات المغرب” و”إنوي” نزاعاً قضائياً طال أمده، كان قد وصل إلى أعلى درجات التصعيد القضائي، بتحالف غير مسبوق يهدف إلى الاستثمار المشترك في البنية التحتية الرقمية، وتحديداً في مجالي الألياف البصرية وشبكات الجيل الخامس، وذلك بإبرام اتفاق شراكة إستراتيجية بعيدة المدى، تُعدّ من الأضخم في تاريخ الاستثمار التكنولوجي بالمغرب.

ليس نزاع قضائي فقط

هذا الاتفاق، الذي تم الإعلان عنه بشكل مشترك، لا يقتصر على مجرد طيّ نزاع قضائي طويل، بل يضع حجر الأساس لتحول كبير في بنية الاتصالات الرقمية بالمملكة و خدمات الاتصالات في المغرب. ، خصوصاً في مجالي الألياف البصرية وشبكات الجيل الخامس، باستثمار ضخم يصل إلى 4.4 مليار درهم أي ما يعادل نحو 457 مليون دولار أمريكي، سيتم ضخها على مدى السنوات الثلاث المقبلة، ويشمل المشروع إنشاء ما لا يقل عن 2000 برج اتصالات، في خطوة تهدف إلى تغطية الطلب المتصاعد على الإنترنت عالي السرعة والخدمات المتنقلة المتقدمة.

يأتي هذا التقارب بين الشركتين في سياق استعداد المغرب لإطلاق تراخيص الجيل الخامس خلال العام الجاري، بهدف بلوغ نسبة تغطية تصل إلى 25% سنة 2026، مع أفق طموح لتحقيق تغطية تصل إلى 70% مع نهاية العقد الحالي.

ود شكّل هذا التحدي التقني عاملاً حاسماً في تقريب وجهات النظر بين “اتصالات المغرب” و”إنوي”، بعد صراع قضائي مرير دام لسنوات، وانتهى في مرحلة أولى بحكم قضائي غير مسبوق ألزم “اتصالات المغرب” بأداء تعويض مالي قدره 6.38 مليار درهم لصالح منافستها “إنوي”، ما كبّدها تراجعاً كبيراً في الأرباح بنسبة قاربت 66% خلال سنة 2024.

لكن وراء هذا الاتفاق ما هو أكثر من مجرد استثمار، فهو يطوي صفحة صراع قضائي حاد، اندلع بسبب خلافات تتعلق بتقاسم البنية التحتية، بلغ ذروته بإصدار حكم تاريخي ألزم “اتصالات المغرب” بدفع مبلغ ضخم قدره 6.38 مليار درهم لصالح “إنوي”شركة اتصالات ، غرامة تركت أثرها الواضح على الحسابات المالية لـ“اتصالات المغرب”، حيث تراجعت أرباحها بنسبة مهولة بلغت 65.9%، لتستقر عند 1.8 مليار درهم فقط في عام 2024. هذا التراجع شكل ضغطاً كبيراً على الشركة، ودفعها على الأرجح إلى إعادة النظر في استراتيجيتها التنافسية.

فتح باب المصالحة

وتشير التحليلات إلى أن هذا التحول في العلاقة بين الشركتين لم يكن معزولاً عن التغيرات التي شهدها مجلس إدارة “اتصالات المغرب”، حيث تم تعيين وزير الاقتصاد والمالية الأسبق على رأس مجلس إدارتها، خلفاً لمدير ظل على رأسها لما يقارب ثلاثة عقود، هذا التغيير في القيادة قرأه مراقبون باعتباره عاملاً أساسياً في فتح الباب أمام المصالحة، بعدما بدا لسنوات أن النزاع لن يجد طريقه إلى الحل خارج أروقة المحاكم.

هذا ولم يتوقف الاتفاق عند الجانب الاستثماري، بل شمل أيضاً تسوية قانونية نهائية، حيث تنازل الطرفان عن جميع الطعون القضائية العالقة أمام محكمة النقض، كما تم الاتفاق على خفض مبلغ التعويض إلى 4.38 مليار درهم، على أن يُسدد فور توقيع الوثائق النهائية الخاصة بالمشاريع المشتركة وبعد الحصول على الضوء الأخضر من الهيئة المختصة بتقنين المواصلات، في احترام تام لمقتضيات قوانين المنافسة والتركيز الاقتصادي.

هذه المصالحة ليست مجرد تسوية بين شركتين، بل هي مؤشر على نضج أكبر في مقاربة المنافسة داخل قطاع الاتصالات المغربي، الذي يشهد حالياً تنافساً ثلاثياً بين “اتصالات المغرب” ذات الامتداد الإفريقي والتي تمتلك شركة إماراتية 53% من رأسمالها، بينما تحتفظ الدولة المغربية بنسبة 22%، وشركة “إنوي” المملوكة بالأغلبية لصندوق استثمار مغربي، إضافة إلى شركة “أورنج” الفرنسية.

و في هذا السياق، يبدو أن الشركات باتت تدرك أن مستقبل السوق الرقمي لا يحتمل النزاعات طويلة الأمد، بل يتطلب تحالفات ذكية واستراتيجيات جماعية تستجيب لمتطلبات التطور التكنولوجي وارتفاع سقف انتظارات المستهلكين، ناهيك عن الاستحقاقات الكبرى التي تنتظر المغرب، وفي مقدمتها استضافة نهائيات كأس العالم 2030، التي تفرض مواكبة رقمية دقيقة وبنى تحتية متطورة.

التحالف بين “اتصالات المغرب” و”إنوي”

التحالف بين “اتصالات المغرب” و”إنوي” لا يعيد فقط رسم خريطة المنافسة، بل يضع أسس نموذج جديد في صناعة الاتصالات، قائم على الشراكة بدل التناحر، وعلى الاستثمار المشترك بدل الإقصاء، وهو ما قد يشكل مرجعاً لقطاعات أخرى تسعى للتوازن بين الربحية والمصلحة الوطنية في ظل التحولات العالمية المتسارعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى