في سياق تصاعد الانتقادات الموجهة لمنظومة تدبير الصفقات العمومية، وجه النائب البرلماني المهدي الفاطمي سؤالاً كتابياً إلى وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح، سلط من خلاله الضوء على اختلالات متنامية تمس نجاعة آلية طلبات السند، والتي يفترض أن تكون وسيلة مرنة لتسريع إنجاز المشاريع وحل الإشكالات المحلية، لكنها تحولت في بعض الحالات إلى مصدر لتعطيل مصالح الجماعات الترابية وإرباك عملها.
نادية فتاح العلوي وزيرة الاقتصاد والمالية
تماطل المقاولات
واعتبر الفاطمي أن أخطر ما ينطوي عليه هذا الأمر، يتمثل في التماطل أو الامتناع الصريح من طرف بعض المقاولات الفائزة بطلبات السند عن مباشرة الأشغال، رغم القبول الرسمي لعرضها، ما يؤدي إلى تعطيل تنفيذ المشاريع وإرباك أجندات الجماعات، ويزداد الأمر تعقيداً في ظل غياب آليات زجر فعالة، حيث تظل هذه الشركات بمنأى عن أية عقوبات جدية، مما يفتح الباب أمام التسيب ويشجع سلوكيات الانتهازية والمضاربة، ويقوض ثقة المواطن في شفافية ومصداقية المؤسسات.
وهو ما أكدته تقارير سابقة صادرة عن المجلس الأعلى للحسابات “مؤسسة دستورية مغربية” ، والتي سجلت في أكثر من مناسبة وجود “ضعف في تتبع الصفقات، وغياب نظام لتصنيف المقاولات بناءً على الأداء”، مشيرة إلى أن “عدداً من الجماعات تعتمد بشكل آلي على معيار الثمن الأدنى دون النظر إلى المؤهلات التقنية أو السجل التعاقدي للمقاولات”، ما يؤدي إلى هدر الزمن التنموي وموارد مالية هامة.
الفعالية في تدبير المال العام تحتاج آليات دقيقة لتصنيف المقاولات
العديد من الخبراء في مجال التدبير المالي يرون أن أصل الإشكال يكمن في فلسفة الإسناد نفسها، إذ تتم عملية تفويت الصفقات بناءً على إجراءات إدارية صرفة تفتقر إلى العمق التحليلي والتقييم القبلي للمتنافسين، فكما يؤكد الخبير في الحكامة المالية عبد المجيد العمراني، “لا يمكن الحديث عن فعالية في تدبير المال العام دون آليات دقيقة لتصنيف المقاولات، تضع في الحسبان ليس فقط العرض المالي، بل الأداء السابق، والقدرة على الإنجاز في الآجال المحددة، ومدى التزام الشركة باحترام المعايير التقنية”.
ضرورة المراجعة الشاملة للإطار القانوني والتنظيمي
فيما دعا الفاطمي صراحة إلى مراجعة شاملة للإطار القانوني والتنظيمي المؤطر لطلبات السند، مع التأكيد على ضرورة فرض ضمانات مالية على المقاولات، بما يضمن الحد من التهرب من الالتزامات بعد الفوز بالصفقة، هذا و تساءل عن مدى توفر الوزارة على نظام معلوماتي موحد لتقييم المقاولات وتصنيفها بناءً على سوابقها التعاقدية، بهدف إقصاء تلك التي ثبت تلاعبها، وتشجيع الفاعلين الجادين الذين يحترمون التزاماتهم.
من جهة أخرى، يعتبر غياب التنسيق بين مختلف الفاعلين في تدبير الصفقات، سواء داخل الجماعات أو بين مصالح الدولة و،الحكومة المغربية، عاملاً مضاعفاً لهذه الاختلالات. إذ أن تأخر بعض القطاعات في المصادقة أو توفير الاعتمادات، يُدخل المقاولات في حالة ارتباك، ويزيد من احتمالية انسحابها أو تلكئها في التنفيذ، ما يسلط الضوء على الحاجة لإصلاح نسقي يشمل تدبير الصفقات من مرحلة الإعلان إلى غاية الإنجاز والتتبع.
الرهان الأكبر هو بناء منظومة متكاملة وشفافة للصفقات العمومية
في ظل هذا الوضع، يظل الرهان الأكبر هو بناء منظومة متكاملة وشفافة للصفقات العمومية، قائمة على الصرامة في الانتقاء، والعدالة في الإسناد، والحزم في المحاسبة، فالإبقاء على الوضع الراهن دون إصلاحات حقيقية سيؤدي حتماً إلى استمرار نزيف الزمن التنموي، وتعميق فجوة الثقة بين المواطن والمؤسسات، خصوصاً في ظل ارتفاع سقف الانتظارات الشعبية من الجماعات المحلية في ما يتعلق بالبنية التحتية والخدمات الأساسية.