اقتصادالرئسية

حفيظ العلمي و صفقة ضخمة بـ 8 مليارات درهم

أعلن رجل الأعمال المغربي والوزير السابق حفيظ العلمي عن تصفية فرع مجموعته “سهام هولدينغ” في أوروبا، الذي أُطلق في عام 2020 بغرض دخول السوق العقارية الفرنسية.

إن هذا القرار الذي أُشرف عليه نجله محمد العلمي، لم يكن مجرد مغادرة تقليدية، بل هو جزء من خطة مدروسة تهدف إلى إعادة تموضع المجموعة بشكل أكبر في القارة الإفريقية التي أضحت، وفقًا لتحليلات الخبراء، وجهة رئيسية للاستثمارات المستقبلية.

أبعاد القرار: خلفية الدوافع

تأسست شركة “سهام أوروبا” برأسمال ابتدائي بلغ 100 ألف يورو، والذي تم زيادته لاحقًا إلى 200 ألف يورو مع طموح الاستفادة من الارتفاع الملحوظ في الاستثمار العقاري في فرنسا خلال السنوات الأخيرة، و على الرغم من الفرص التي بدا أن السوق الأوروبية توفرها في البداية، إلا أن تلك التوقعات اصطدمت بتحديات كبيرة، تمثلت في التضخم الاقتصادي، تقلبات الأسواق، وارتفاع التكاليف المرتبطة بالعقارات، وبالنظر إلى هذه التحديات، أدرك حفيظ العلمي أن بيئة الاستثمار في أوروبا لم تعد بالقدر نفسه من الجاذبية، مما دفعه إلى اتخاذ قرار جريء بإعادة توجيه استراتيجية المجموعة نحو أسواق أكثر ديناميكية ونموًا.

ورغم أن هذا الانسحاب قد يُنظر إليه من قبل البعض على أنه فشل أو تراجع، إلا أن الواقع يشير إلى عكس ذلك تمامًا، فهو يعكس قدرة عالية على إدارة المخاطر وتحليل ديناميكيات السوق، مع إعادة التموقع في أسواق أكثر مرونة وتنوعًا، مثل إفريقيا  أسهم صيني خاص، التي تشهد حاليًا طفرة استثمارية غير مسبوقة.

إفريقيا: قارة الفرص المستقبلية

لم يكن قرار إغلاق “سهام أوروبا” عشوائيًا، بل جاء متزامنًا مع واحدة من أضخم الصفقات الاستثمارية التي شهدها المغرب في العام 2024، حيث نجحت مجموعة “سهام” في الاستحواذ على غالبية أسهم “الشركة العامة المغرب” و”المغربية للتأمين”، في صفقة بلغت قيمتها حوالي 8 مليارات درهم، يعزز هذا التحول وضع المجموعة المالي في السوق المغربية، ويمهد لها الطريق لزيادة نفوذها في الأسواق الإفريقية،تحيط بالقارة “البحر المتوسط  “التي تعد بمستقبل اقتصادي واعد.

تصريحات حفيظ العلمي حول هذه الصفقة لم تخلُ من التفاؤل الحذر.. حيث قال في حديثه للصحافة: “إفريقيا هي المستقبل، ونحن في “سهام” نرى فيها فرصة استراتيجية حقيقية، وليست مجرد سوق صغيرة، بل قارة بكل إمكاناتها التي لم تُستغل بعد.” هذه الكلمات تعكس رؤية طويلة المدى للمجموعة التي تهدف إلى بناء تكتل اقتصادي قوي في القارة الإفريقية، مع التركيز على قطاعات متعددة مثل الخدمات المالية، التعليم، الزراعة والعقار.

التوسع المغاربي: من المغرب إلى موريتانيا

الخطوة التالية لمجموعة “سهام” كانت في الاتجاه المغاربي، فالمجموعة دخلت في مفاوضات متقدمة مع “الشركة العامة فرنسا” للاستحواذ على حصتها في فرعها بموريتانيا، وهو ما يعد مؤشرًا على رغبة حفيظ العلمي في توسيع نفوذ المجموعة داخل المنطقة المغاربية،و يظهر التوجه نحو هذه الأسواق استراتيجيات علمية مبنية على فهم دقيق للمتغيرات الاقتصادية والسياسية في المنطقة، خصوصًا في ظل انسحاب العديد من الشركات الأوروبية من الأسواق الإفريقية.

في ذات السياق، يعكس التحول الذي تشهده المجموعة تطورًا في فلسفة استثمارية أكثر مرونة، حيث تسعى “سهام” إلى الاستفادة من الفراغ الذي خلفه الانسحاب الأوروبي، مستغلةً الظروف الاقتصادية والجيوسياسية التي تفتح أبواب الفرص أمام اللاعبين الجدد.

حفيظ العلمي: من السياسة إلى المال

ما يميز حفيظ العلمي عن غيره من رجال الأعمال في المنطقة هو خليط فريد من  السياسية والقدرة الاقتصادية، فعلى الرغم من أن الوزير السابق قد تخلى عن منصبه السياسي، إلا أن معرفته العميقة بخريطة المصالح الاقتصادية داخل وخارج المغرب جعلته أحد أبرز الأسماء في عالم المال والأعمال، بفضل هذه الخبرة، نجح في تحويل “سهام” من مجرد شركة تأمين إلى مجموعة اقتصادية متعددة الأنشطة تتوسع في العديد من القطاعات وتستهدف أسواقًا استراتيجية عبر القارات.

و من خلال هذا التوجه الاستثماري، يبدو أن حفيظ العلمي يستعد لوضع حجر الأساس لمستقبل اقتصادي مختلف، يتمحور حول إفريقيا باعتبارها قاعدة انطلاق رئيسية نحو آفاق أوسع.

خطوة نحو المستقبل

إن قرار الانسحاب من السوق الأوروبية يُعتبر من زاوية ما خطوة للخلف، لكن من منظور استثماري أعمق، فإنه يعد خطوة هامة نحو إعادة التموضع الذكي في قارة تشهد حاليًا اهتمامًا متزايدًا من قبل المستثمرين العالميين، وبينما تواصل الشركات الأوروبية تقليص استثماراتها في إفريقيا، تواصل “سهام هولدينغ” السير عكس التيار، في رهان يبدو أنه يحمل مقومات النجاح بالنظر إلى إمكانيات إفريقيا غير المستغلة.

فهل سيكون حفيظ العلمي هو الرجل الذي سيقود “إمبراطوريته” القادمة من قلب إفريقيا؟ الزمن وحده كفيل بالإجابة،
لكن المؤشرات الحالية تشير إلى أن المشروع الاقتصادي الذي يقوده لن يعرف حدودًا تقليدية، بل سيُعيد رسم معالم الاستثمار و بعض الحضور المغربي في القارة السمراء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى