اقتصادالرئسيةتكنولوجيا

صناعة الألعاب الإلكترونية..هل يدخل المغرب عالمها

في تحول يكرّس انخراط المغرب في الثورة الرقمية العالمية “عصر المعلومات“، صادقت الحكومة صباح اليوم بالعاصمة الرباط على حزمة من الاتفاقيات الجديدة التي ستضع المملكة على خريطةصناعة الألعاب الإلكترونية، إحدى أسرع الصناعات نموّاً وأكثرها مردودية على الصعيد العالمي.

الاتفاقيات، التي تم توقيعها بين قطاعات التعليم العالي والتكوين المهني، تنص على إطلاق تكوينات أكاديمية ومهنية متخصصة في تطوير الألعاب الإلكترونية، ابتداءً من الموسم الدراسي الجامعي المقبل في شتنبر 2025.

قطاع  يتحرك بمداخيل حول العالم بـ300 مليار دولار…

يشهد قطاع الألعاب الإلكترونية نمواً هائلاً منذ سنوات” التاريخ المبكر لألعاب الفيديو” ، جعل منه أحد أعمدة الاقتصاد الرقمي العالمي، حيث تجاوزت مداخيله السنوية 300 مليار دولار، وتفرعت عنه أكثر من 150 مهنة، بين تطوير الألعاب وتصميمها، التحليل السردي، اختبار الجودة، التمثيل الصوتي، البث المباشر، والتعليق الرياضي الإلكتروني، ومع ذلك، ظلت منظومة التكوين في المغرب بعيدة عن هذا القطاع الواعد، ما أدى إلى غياب كفاءات مؤهلة وطنياً، وعجز الشباب المهتم بهذا المجال عن الولوج إليه عبر قنوات رسمية.

الجامعات المغربية تدخل عصر “Game Labs”

انطلاقاً من الموسم الجامعي 2025-2026، ستبدأ عدة مؤسسات جامعية عمومية، خاصة بجهة الرباط-سلا-القنيطرة، في تقديم تكوينات أكاديمية متخصصة في صناعة الألعاب الإلكترونية، موزعة على ثلاث مستويات:

دبلوم تقني (Bac+2)

إجازة مهنية (Licence Professionnelle)

ماستر متخصص (Master)

ولإنجاح هذا المسار، ستُحدث داخل الجامعات مختبرات متطورة تحت اسم “Game Labs”، مجهزة بأحدث الوسائل التكنولوجية، ومرتبطة بشبكة من الشركاء والخبراء الدوليين في المجال.

لن تقتصر هذه المختبرات على الجانب النظري، بل ستشكل فضاءات للإبداع، حيث سيُطلب من الطلبة الاشتغال على مشاريع فعلية، تشمل تصميم ألعاب ذات محتوى مغربي، ما يسمح بظهور إنتاج رقمي محلي قادر على المنافسة في السوق العالمية.

التجربة، حسب المعطيات المتوفرة، ستُطلق أولاً بجهة الرباط كنموذج أولي، قبل أن تُعمم على باقي الجهات ابتداءً من الموسم الجامعي 2026-2027.

التكوين المهني: مهن جديدة تنبثق من العالم الرقمي

 

بموازاة التكوين الجامعي، يشهد قطاع التكوين المهني تحولاً نوعياً، حيث سيتم إدماج ثلاثة تكوينات تأهيلية قصيرة المدى، تستهدف مهناً حديثة برزت بقوة في السنوات الأخيرة:

Caster e-sport: التخصص في التعليق الرياضي على مباريات الألعاب الإلكترونية، وهو مجال يشهد تنظيم بطولات بميزانيات ضخمة وعدد جماهيري واسع.

Streamer e-sport: تكوين شامل لصناعة المحتوى الرقمي المباشر، مع إلمام بالبرمجيات والمنصات والتقنيات السمعية البصرية.

Game Development Basics: تكوين تقني تطبيقي في أسس تطوير الألعاب، من البرمجة إلى التصميم الجرافيكي.

ولتحقيق ذلك، سيتم تجهيز مراكز التكوين المهني بمختبر خاص لصناعة الألعاب، مع فتح الباب أمام التعاقد مع مكونين وخبراء مغاربة وأجانب لضمان جودة التعليم ونجاعته.

رهانات متعددة: من التشغيل إلى السيادة الرقمية

يتضح أن هذا المشروع لا يهدف فقط إلى تحديث محتوى التكوينات، بل يرمي إلى إعادة توجيه الاقتصاد الرقمي الوطني نحو قطاعات ذات قيمة مضافة عالية، فصناعة الألعاب الإلكترونية ليست مجرد ترف أو وسيلة تسلية، بل أصبحت رافعة تشغيلية واستثمارية بامتياز، قادرة على امتصاص نسب من البطالة في صفوف خريجي الجامعات، وتشجيع بروز مقاولات ناشئة (Startups) تشتغل في تطوير الألعاب أو خدماتها الموازية.

كما أن هذا التوجه يعكس وعياً متنامياً بضرورة بناء محتوى رقمي مغربي يُعبّر عن الخصوصية الثقافية واللغوية الوطنية، في مقابل الغزو المطلق للمحتويات الأجنبية التي لا تعكس بالضرورة القيم أو السياقات المحلية.

هل نحن مستعدون؟

رغم أهمية القرار وراهنيته، فإن تنزيله على أرض الواقع يطرح عدداً من التحديات الحقيقية:

هل تمتلك الجامعات البنية التحتية والكفاءات البشرية الضرورية؟

هل يتوفر المغرب على خبراء أكاديميين قادرين على تأطير هذه التكوينات؟

ما مدى قدرة القطاع الخاص على مرافقة هذا التحول من خلال التشغيل والاستثمار؟

إن إنجاح هذا الورش يقتضي رؤية واضحة، واستراتيجية متعددة الأبعاد: تأطيرية، استثمارية، ومؤسساتية، لضمان ألا تتحول المبادرة إلى مجرد إعلان نوايا أو تجربة معزولة لا تجد لها صدى في الواقع.

من “لاعبين” إلى صناع محتوى

لطالما ارتبطت الألعاب الإلكترونية في الذهنية المجتمعية بنوع من “الكسل” و”إضاعة الوقت”، لكن تحولات السوق العالمية أكدت أن هذا القطاع صار مجالاً خصباً للإبداع، وفرصةً مهنية واستثمارية حقيقية، فقرار المغرب إدماج هذا المجال في التعليم الجامعي والتكوين المهني قد يبدو متأخراً زمنياً، لكنه يحمل بوادر ثورة هادئة في مسارات الشباب المغربي، ويؤسس لعلاقة جديدة مع التكنولوجيا، عنوانها: التحول من مستهلك إلى منتِج.

وقد يكون من المفيد التذكير بأن كل لعبة كبرى بدأت ذات يوم بفكرة في عقل شاب… وجل ما تحتاجه تلك الفكرة هو مختبر، تأطير، وإرادة سياسية، والمغرب اليوم يبدو وكأنه قرر أخيراً أن يوفّر الثلاث

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى