الرئسيةسياسة

قصة الشرطي المغربي، طالب اللجوء السياسي في سبتة

 فجّرت واقعة فرار شرطي مغربي إلى داخل مدينة سبتة المحتلة _ تقع مقابل لمضيق جبل طارق_، وطلبه اللجوء السياسي لدى السلطات الإسبانية، حالة من الاستنفار القصوى على المستوى الأمني والسياسي بين الجانبين.

الواقعة، التي جرت مساء الإثنين الماضي، استأثرت باهتمام وسائل الإعلام الإسبانية، حيث كشفت صحيفة “El Faro de Ceuta” المحلية أن عنصراً من الشرطة المغربية، يعمل بالمركز الحدودي لمعبر “تاراخال”، عبر إلى الضفة الإسبانية من الحدود وهو لا يزال يرتدي زيه الأمني الرسمي، في مشهد نادر الحدوث ومثير للتساؤلات.

تفعيل بروتوكلات استثنائية من طرف مدريد

التحرك المفاجئ للشرطي، والذي وصف بأنه “انشقاق أمني صريح”، دفع السلطات الإسبانية إلى تفعيل بروتوكولات استثنائية في مثل هذه الحالات، خاصة في ظل حساسية المنطقة الحدودية بين سبتة والمغرب، وما تكتسيه من طابع رمزي وسياسي معقد.

ووفق الصحيفة ذاتها، فإن الجهات الرسمية في سبتة سارعت إلى إجراء اتصالات عاجلة مع مستويات عليا، لاتخاذ قرار مدروس يحافظ على التوازن الدبلوماسي مع المغرب، دون التفريط في مقتضيات القانون الدولي المتعلق باللجوء.

في هذه الأثناء، تم التعامل مع الطلب وفق مسطرة “اللجوء الحدودي”، ما يعني أن المعني لم يُسمح له بالولوج الكامل إلى التراب الإسباني، بل وُضع في غرفة مخصصة داخل معبر تاراخال إلى حين دراسة ملفه.

رفض طلب اللجوء في المرحلة الأولى

ورغم أن مكتب اللجوء واللاجئين التابع لوزارة الداخلية الإسبانية رفض طلب اللجوء في مرحلة أولى، إلا أن المحامية التي تولت الدفاع عنه سارعت إلى تقديم طعن قانوني لإعادة النظر في القرار، وقد أسفر الطعن عن نتيجة أولية مهمة، تمثلت في قرار المحكمة الوطنية في مدريد بتوقيف تنفيذ ترحيله مؤقتاً، ريثما يصدر حكم نهائي بخصوص قضيته.

في المقابل، تلتزم السلطات الإسبانية والمغربية على حد سواء، بصمت رسمي مطبق إزاء خلفيات هذا “الفرار الأمني” المفاجئ، حيث لم يتم الكشف عن هوية الشرطي أو الأسباب التي دفعته إلى اتخاذ خطوة بهذا الحجم، رغم أن المؤشرات الأولية تُرجّح أن طلبه قد يُقابل بالرفض، نظراً إلى سوابق مماثلة نادراً ما تم قبولها من قبل السلطات الإسبانية، خاصة إذا كان مقدموها ينتمون إلى أجهزة أمنية أو عسكرية.

ويظل الشرطي المغربي قيد المراقبة الصارمة داخل نقطة المعبر الحدودي، في انتظار القرار القضائي المرتقب، وسط حالة من الترقب داخل الأوساط السياسية والإعلامية، التي تعتبر الملف اختباراً دقيقاً للعلاقات بين الرباط ومدريد، في ظل تنامي حالات الهجرة واللجوء الحساسة التي تضع البلدين أمام معادلة معقدة تجمع بين مقتضيات التعاون الأمني واحترام القوانين الدولية.

تحليل السياق: بين الحرج السياسي والاعتبارات الإنسانية

إن طبيعة الحادثة، وتوقيتها، والموقع الذي جرت فيه، تضفي على الملف أبعاداً تتجاوز مسألة لجوء فردي، لتطرح أسئلة عميقة حول دوافع الشرطي الشخصية أو السياسية، ومدى شعوره بالضغط أو التهديد الذي جعله يلجأ إلى هذه الخطوة غير التقليدية، كما أن الصمت المغربي يعكس، ربما، سعياً لتفادي تضخيم القضية إعلامياً، في انتظار مخرج قانوني أو دبلوماسي لا يخل بتوازن المصالح مع الجارة الشمالية.

من جانبها، تجد السلطات الإسبانية نفسها في موقف حرج: فهي مطالبة بالتعامل مع الملف في إطار احترام المواثيق الدولية لحقوق الإنسان واللجوء، دون أن تُستغل القضية كوسيلة ضغط أو إحراج دبلوماسي للمغرب، خاصة وأنها وقائع تمس قطاعاً حساساً كالأمن والشرطة.

ويبقى القرار النهائي للمحكمة الإسبانية بمثابة الفصل الحاسم، ليس فقط لمصير الشرطي المغربي، بل أيضاً لما سيترتب عنه من تأثيرات محتملة على صعيد العلاقات الثنائية، والتعاون الأمني الحدودي بين بلدين يربطهما تاريخ طويل من الشراكة والمصالح المتقاطعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى