الرئسيةرأي/ كرونيكمجتمع

صرخة خديجة … لا تزال تنتظر صدى لأظهر رواية أخرى

بقلم: بثينة المكودي

في زاوية منسية من هذا الوطن، تُدعى “دار الكداري” بإقليم سيدي قاسم_تعززت هذه النشأة بإقدام السلطان مولاي إسماعيل_، تعيش امرأة اسمها خديجة، لم تطلب من الحياة أكثر من قوت أبنائها وشيء من الكرامة، لكنها دفعت ثمنًا باهظًا لأنها رفضت الخضوع.

خديجة، امرأة مطلقة، فقيرة، تعيش في الهامش، بل على هامش الهامش، لا حزب يرفع صوتها، لا مؤسسة تسند ظهرها، ولا قانون في نظرها بدا معنيًا بحمايتها، لا تملك سوى جسد أرهقه الزمن، وصوت بالكاد يجد من يصغي له. وحين تعرضت للتحرش من طرف رجل في حالة سكر، لم تمتلك سوى القاومة وكلمة لا.

فكان ردّه أن كسر زجاجة خمر، وغرزها في وجهها، مخلفا 88 غرزة، رتقت جراح الجسد، لكن من يرتق جراح الكرامة؟

35  يومًا من العجز، لكن من يحصي العطب الذي لا يُرى؟

كل ذلك لم يكن كافيًا لتحريك العدالة واصدار أقسى العقوبات.

وئدت خديجة

ظل الإنصاف  بالنسبة لخديجة بعيد المنال، حيث صرخت خديجة   في قاعة المحكمة الابتدائية بمشرع بلقصيري، “حققي مشى” كان الحكم صادما شهران  حبس نافذة مقابل وجه مشوّه، وعاهة سترافقني  بقية العمر”.

لا أحد ينكر أن العدالة نطقت، لكن كثيرين تساءلوا: بأي ميزان؟

هل قُدّرت الأضرار؟ هل أُخذ في الاعتبار الفارق الفادح في موازين القوى؟ هل وجدت خديجة في القانون ما يرد لها شيئًا من حقها المهدور؟

هذا ليس جرح خديجة وحدها، بل جرح لفئة كاملة من النساء اللائي لا سند لهن سوى الصبر، واللواتي كثيرًا ما يتعثرن في طريق البحث عن العدالة.

هذه ليست دعوة للتشكيك في المؤسسات، بل نداء لإعادة النظر في كيف تُطبق القوانين حين يكون الفقر طرفًا في القضية، نداء لعدالة تُنصَف فيها النساء في وضعية الهشاشة لا وفق ما يملكن، بل وفق ما يستحقهنّ من كرامة وأمان.

خديجة لم تكن تطلب الانتقام، كانت فقط تريد أن يُقال لها: “لقد أخطأ في حقك أحد، ونحن هنا لنعيد لك ما يمكن من حقك”.

لكن يبدو أن من لا يملك شيئًا… يصعب عليه أن ينال شيئًا، حتى من العدالة

وللقصة زاوية اخرى:

 

تروى حكاية أخرى عن ان خديجة ضربت نفسها، هكذا قال المدعي عليه في التحقيق والمحاكمة، والقصة لم تجد من يصدقها، حتى جاء التسجيل الذي قلب الموازين.

في لحظة حاسمة قدّم دفاع “ي” تسجيلات صوتية لصديقة خديجة تقول فيها بكل وضوح لإحدى المقربات منها، كانت هي من ضربت نفسها، رأيناها كلنا!”، هكذا تحدّث المصدر القضائي، قبل أن يضيف: “القاضي استدعى صاحبة التسجيل وواجهها مع من حدثتها عن الوقائع… فبدأت خيوط القضية تنكشف”.

بعد المواجهة انهار سيناريو الضحية المزعومة، واعترافات جديدة، وتسجيلات دامغة، أسقطت تهمة الاعتداء،وهكذا نجا المتهم من جريمة كادت تضعه خلف القضبان لسنوات طويلة جدا؛ لكن القاضي لم يعفِه من تهم أبرزها إعداد وكر للدعارة، ليحكم عليه بشهرين فقط، وأغلق ابتدائيا الملف.

أين الضمير؟ اين الحقيقة؟

 

القصة تحتمل وجهان الأول انه في المحكمة الابتدائية بمشرع بلقصيري، لم يكن القاضي رحيمًا بخديجة، بل بالمدعى عليه، واصدر حكما بشهرين و3000 درهم غرامة، مقابل تشويه وجه،  وعاهة مستديمة، .
شهران مقابل صرخة امرأة أفقرها كل شيء إلا الشجاعة.

 والثاني أن يُقدم إنسان على تمزيق وجهه بيديه ليتهم آخر، فتلك ليست فقط رواية تلامس حدود الخيال، بل صفعة دامغة للمنطق والرحمة، إما أننا أمام سيناريو تتآمر فيه الأوهام مع الجنون، أو أننا نعيش في زمنٍ تجرّدت فيه النفوس من إنسانيتها حتى بات الأذى وسيلة، والكذب خلاصًا، والبراءة فريسةً سهلة في محكمة الضمير الغائب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى