الرئسيةثقافة وفنوندابا tv

“طحالب مرة” لإدريس شويكة يتوج في “كولدن فيمي”

تحرير: جيهان مشكور

في مشهد غير معتاد بالنسبة لأفلام مغربية ذات إنتاج مستقل، فاجأ فيلم “طحالب مرة” للمخرج إدريس شويكة الأوساط السينمائية الدولية، بعدما تُوّج بأربع جوائز كبرى ضمن فعاليات مهرجان “كولدن فيمي” الدولي للأفلام في صوفيا، عاصمة بلغاريا، مساء يوم 7 يونيو 2025.

المخرج السينمائي إدريس شويكة

لم تكن المفاجأة فقط لأن الفيلم كان في أول مشاركة دولية له، بل لأن الجوائز التي حصدها تنتمي إلى فئات تقنية وتمثيلية رفيعة، تعكس قوة الاشتغال الجماعي وصدق الرؤية السينمائية.

بين السينما والواقع: فيلم يولد من الهامش ليكشف الحقيقة

يحكي الفيلم، كما يوحي عنوانه، قصة ذات طعم مرّ، بطلتها فتاة شابة تُدعى اهنية، وجدت نفسها مرغمة على جمع الطحالب من شواطئ مهجورة في سياق اقتصادي واجتماعي خانق، لكن العمل الشاق الذي يبدو في البداية مجرّد وسيلة للبقاء، يتحوّل تدريجيا إلى نافذة على عالم خفي من الاستغلال، الهشاشة، التهريب، والانهيار الإنساني.

“اهنية” ليست فقط رمزا لفئة مهمّشة في المغرب، بل أيقونة درامية تنتمي لعالم أوسع، يشبه كثيرًا ما تعانيه نساء من أمريكا الجنوبية، وجنوب شرق آسيا، وشمال إفريقيا، في اقتصاديات الظل التي تنشط على حواف الدول.

من هذا المنظور، لا يتعامل الفيلم مع الواقع كأرضية مسطحة للبكاء أو الاستعطاف، بل يحوّله إلى مادة خام لرؤية شعرية، قاسية وجميلة في آنٍ، حيث يشتغل المخرج اشويكة على التفاصيل الدقيقة —الضوء، الطين، الموج، الأصوات المكتومة— لصناعة تجربة سينمائية تتجاوز الحكاية البسيطة إلى تأمل وجودي في معنى النجاة.

رحلة من المغرب إلى بلغاريا: أربعة تتويجات لم تكن صدفة

في الدورة الأخيرة لمهرجان “كولدن فيمي” الدولي، نافس”طحالب مرة” أكثر من 60 فيلما أجنبيا، من مختلف القارات، ليظفر بأربع جوائز وازنة:

* أفضل دراما لفيلم أجنبي
* أفضل إخراج لفيلم أجنبي: إدريس اشويكة
* أفضل دور نسائي: يسرى بوحموش
* أفضل إنتاج لفيلم أجنبي: رقية بنحدو

هذا التتويج لم يكن حدثًا استثنائيًا فحسب، بل شكّل، بحسب نقاد بلغاريين، نقطة تحول في نظرة المهرجان نحو السينما المغاربية والمستقلة عمومًا، حيث أثبت الفيلم المغربي أن العمل الفني النابع من واقع ضاغط لا يقل في عمقه عن الأفلام القادمة من مدارس الإنتاج الكبرى.

العمل الجماعي وراء الكواليس: من التقنيين إلى الممثلين

لم يكن نجاح “طحالب مرة” ثمرة تألق فردي، بل نتيجة تناغم مجموعة من الكفاءات التقنية والفنية التي عملت، في ظروف إنتاج صعبة، على إنجاز عمل يضاهي الجودة السينمائية العالمية.

في هذا السياق، برز إدريس اشويكة كقائد فني يتمتع برؤية واضحة وجرأة على استثمار الواقعية في بناء فيلم يحمل حمولة إنسانية وسياسية في آن، بجانبه، كانت المنتجة رقية بنحدو عمودًا أساسيًا في تحويل الفكرة إلى حقيقة ملموسة، رغم الظروف المعقدة، مؤكدة أن “الإنتاج في المغرب كثيرًا ما يشبه معركة البقاء”، فاضل اشويكة أبدع كمدير التصوير في تحويل المشاهد البحرية القاسية إلى لوحات بصرية بديعة، معتمداً على الضوء الطبيعي ليخلق إحساسًا بالحبس والفضاء المفتوح في آنٍ واحد، فيما اضافت الموسيقى التصويرية للمؤلف جويل بيليكريتي طبقة عاطفية مميزة دعمت السرد الدرامي بنوتات مستوحاة من صوت البحر وألم الصمت، و تكلفت بالمونتاج: نجود جداد، التي منحت الفيلم إيقاعًا متماسكًا رغم تشعب الثيمات.


لكن الاسم الذي أثار الإعجاب، خاصة لدى لجنة تحكيم المهرجان، كان الممثلة يسرى بوحموش، التي أدّت شخصية “اهنية” بجرأة نفسية وجسدية، بعدما قضت شهورًا في التدريب الميداني على مهنة جمع الطحالب، وعايشت واقع نساء الهامش عن قرب.

صوت المبدعين: اعترافات بعد لحظة الانتصار

بعد تسلمه لجائزة أفضل مخرج، قال إدريس اشويكة: “لم نشتغل من أجل الجوائز، بل من أجل الحقيقة. السينما بالنسبة لي ليست مجرد حكي، بل صرخة جمالية ضد القبح الذي نراه يوميًا ويتحول مع الوقت إلى اعتياد قاتل”.

أما يسرى بوحموش، فتحدثت عن التحوّل العاطفي الذي عايشته أثناء التصوير:”كنت أعتقد أنني أمثّل، لكنني في لحظات كثيرة لم أعد أفرق بيني وبين اهنية، الطين، الملح، الخوف… كل شيء كان حقيقيًا.
الجائزة، رغم فرحتي بها، ليست أهم من التجربة ذاتها”.

المنتجة رقية بنحدو بدورها أشارت إلى ما وصفته بـ”معركة من أجل البقاء الفني”: “في المغرب، الإنتاج المستقل يشبه التجديف ضد تيار عاصف، لكن هذا الفريق كان استثنائيًا في إيمانه بالفيلم، وأنا فخورة بما تحقق”.

لجنة التحكيم تقول كلمتها: “طحالب مرة” كشف لموهبة مغاربية فريدة

الناقدة البلغارية إيلينا ستويانوفا، رئيسة لجنة تحكيم المهرجان، صرّحت في لقاء صحفي عقب الحفل: “الفيلم المغربي أدهشنا بقدرته على المزج بين الكثافة الجمالية والبساطة الحكائية،إنه عمل يأتي من قاع البحر، لكنه يخترق إلى أعماق النفس البشرية،وأضافت أداء يسرى بوحموش كان مفاجئًا، وإخراج اشويكة يتمتع بحس سينمائي نادر”.

ما بعد صوفيا: اهتمام دولي وتوقعات بعروض في مهرجانات كبرى

بعد التتويج، بدأت جهات إنتاج وتوزيع أوروبية، خاصة من ألمانيا وفرنسا، بالتواصل مع فريق العمل لاقتراح صيغ تعاون وتوزيع مستقبلي، وهناك مؤشرات على أن الفيلم قد يُعرض في مهرجانات كبرى مثل” البندقية السينمائي” أو “برلينالِه”، ما يمنح السينما المغربية المستقلة دفعة قوية نحو العالمية.

الطحالب ليست دائمًا مرّة

رغم قساوة الاسم، أثبت فيلم “طحالب مرة” أن المعاناة يمكن أن تكون مصدرًا للجمال، وأن السينما، حين تُصنع بصدق وعزيمة، قادرة على العبور من سواحل مهمشة إلى منصات التتويج الدولية.

ما حدث في صوفيا لم يكن فقط تتويجًا لفيلم، بل إعلانًا عن جيل جديد من السينمائيين المغاربة الذين يكتبون أسماءهم بلغة الفن لا المحاباة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى