في مشهد يختزل الغضب والحداد معًا، وقفت يوم 6 يونيو الجاري، والدة الشاب الراحل ياسين شبلي أمام المحكمة الابتدائية بالرباط مرتدية السواد، ورافعةً راية سوداء كتعبير رمزي عن استمرارها في المطالبة بالحقيقة والعدالة، في قضية ما زالت تثير الجدل وتطرح أكثر من سؤال حول ظروف الاعتقال والوفاة داخل مركز أمني.
“لن أنزل راية الحداد حتى يُحاكَم الجلاد، وحتى تُقال كلمة العدالة ولو بعد حين”.
هكذا صدحت الأم أمام عدسات الصحافيين، مؤكدة أن ملف ابنها لا يتعلق فقط بمأساة فردية، بل بمبدأ واجب حماية سلامة المواطنين داخل أماكن الحجز.
تسلسل الواقعة
في أكتوبر 2022، تم توقيف ياسين شبلي بمدينة ابن جرير بعد تواجده في حديقة عمومية. رواية المديرية العامة للأمن الوطني تشير إلى أنه كان في “حالة غير طبيعية”، وتم اقتياده إلى المخفر بسبب “السكر العلني وإثارة الفوضى”.
غير أن مسار الملف اتخذ منحى مأساويًا، بعد إعلان وفاته أثناء فترة الاحتجاز. تقرير الطب الشرعي الأولي، إضافة إلى صور وتقارير حقوقية، أفادت بوجود كدمات وجروح ظاهرة على الجسد، مما دفع عائلته إلى التشكيك في الرواية الرسمية، واتهام جهات أمنية بـ”استعمال مفرط للقوة”.
التسجيلات والشهادات
حسب هيئة دفاع الأسرة، أظهرت تسجيلات الكاميرا داخل المركز أن ياسين كان مكبل اليدين إلى الخلف لساعات طويلة، وفي وضعية تسببت له في صعوبة الحركة والتنفس. كما تم تداول معطيات تتحدث عن تعرضه للركل والضرب في أماكن حساسة، ما اعتُبر مؤشراً خطيراً على سوء المعاملة المحتملة أثناء فترة الاحتجاز.
موقف الإدارة والسلطات
المديرية العامة للأمن نفت بشكل قاطع أن يكون الموقوف قد تعرض للتعذيب أو المعاملة المهينة، مشيرة إلى أن وفاته كانت نتيجة “اضطراب حاد” داخل مركز الشرطة، و”محاولته إيذاء نفسه”.
ومع ذلك، فإن تقارير مستقلة صادرة عن منظمات حقوقية، من بينها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، طالبت بإجراء تشريح طبي محايد، وفتح تحقيق قضائي شفاف لتحديد المسؤوليات، تماشيًا مع التزامات المغرب الحقوقية بموجب القانون الدولي.
العدالة المتأخرة… وعدالة غير منجزة؟
رغم مرور أكثر من سنة ونصف على الحادث، لا تزال القضية دون حسم قضائي نهائي، وهو ما يطرح إشكالية بطء المساطر، واستمرار معاناة الأسرة التي تطالب بالحقيقة الكاملة، وليس فقط بالتعويض الرمزي أو تسوية ملف إداري.
صوت من الشارع… وألم لا يهدأ
خلال الوقفات الاحتجاجية التي تزامنت مع الجلسات، حضرت شخصيات حقوقية ومدنية، بعضها رأى في القضية اختبارًا حقيقيًا لمدى التزام المغرب بمناهضة التعذيب داخل أماكن الاحتجاز، خاصة بعد حالات مشابهة عرفتها السنوات الماضية.
أما الأم، فقد تحولت إلى رمز للعدالة الصامتة، تنقل حزنها من جلسة إلى أخرى، دون كلل، حاملة رايتها السوداء كتذكرة يومية بما حدث داخل ذلك المركز، وما لم يحدث بعد في قاعة المحكمة.
سؤال مفتوح على مستقبل العدالة
قضية ياسين شبلي ليست مجرد ملف قضائي، بل تمثل اليوم تحديًا للمؤسسات، ولثقة المواطنين في منظومة العدالة، وإشارة إلى الحاجة لإصلاحات حقيقية في مجال ضمان شروط الاعتقال واحترام الكرامة الإنسانية.
حتى إشعار آخر، ستبقى راية الأم مرفوعة، حاملةً سؤالًا بسيطًا:
هل مات ياسين نتيجة “سوء تقدير فردي”، أم أن وفاته كانت نتيجة “سياسة صمت ممنهج”