الرئسيةمجتمع

شباب في قفص الاتهام…من المذنب؟

محاكمة صامتة لمجتمع خذل شبابه فهربوا نحو المخدرات في أحد الأزقة المعتمة بحي شعبي، شاب لم يتجاوز العشرين من عمره، يجلس متكئًا على جدار متشقق، بعينين غائرتين ونظرة تائهة…

بين أصابعه لفافة مشبوهة، وبين جنبات صدره تنهيدة طويلة لا يسمعها أحد. مشهد يتكرر، ليس فقط في هذا الزقاق، بل في أحياء وقرى ومدن منسية، حيث يُحاكم الشباب في صمت، لا أمام قاضٍ، بل أمام واقع قاسٍ حوّلهم إلى “ضائعين” في عيون مجتمع لا يسائل نفسه.

الهروب الجماعي

تُظهر الأرقام الرسمية وغير الرسمية تزايدًا مقلقًا في عدد الشباب المغاربة المتعاطين لمختلف أنواع المخدرات، من “الكيف” إلى الأقراص المهلوسة، بل حتى إلى مخدرات كيميائية أشد فتكًا. لكن ماذا لو كانت المخدرات ليست السبب بل النتيجة؟ نتيجة الإقصاء، والفقر، والتهميش، والبطالة، وانسداد الأفق، وغياب مساحات التعبير والانتماء.

جريمة بلا مجرم

 

في كل مرة يُضبط شاب أو يُعتقل بسبب التعاطي، تُسلّط عليه أضواء الإدانة ويُوصف بـ”المنحرف” أو “المنحل”، ولكن نادرا ما نلتفت إلى “المتهمين الحقيقيين”: المدرسة التي طردته باكرًا، الحي الذي لم يوفر له ملعبًا، الإعلام الذي تجاهله، الدولة التي لم تنصت، الأسرة التي عجزت، والسياسات التي لم تمنحه بدائل.

صرح الشاب:
“الهرب للمخدرات كان هو الحل الوحيد باش ننسى الواقع، كلشي كان مسدود: لا تعليم، لا خدمة، ولا حتى اللي يسمعك فداركم.”

“انها جريمة بدون مجرم أو بالأحرى المجرم والضحية شخص واحد”

دور الإعلام والسياسات العمومية

في مواجهة هذه الموجة، يظل خطاب السياسات العمومية غامضًا أو متأخرًا. يُطلقون حملات موسمية للتوعية، ينظمون ندوات، لكن قلما ينجز عمل ميداني حقيقي ومستمر. فيما يساهم الإعلام أحيانًا، بوعي أو بدونه، في شيطنة المدمنين بدل احتضانهم ورواية قصصهم بصدق وإنصاف.

من المسؤول؟

هل نحاكم شابًا عالقًا في دوامة الإدمان، أم نحاكم غياب فرص الحياة الكريمة؟
هل نلوم من استسلم، أم من لم يفتح له بابًا؟
هل نتابعهم قضائيًا، أم نتابع نحن مجتمعًا بأكمله أمام محكمة الضمير؟

نهاية مفتوحة… وبداية ممكنة

المخدرات ليست قدرًا، بل نتيجة لخيارات مجتمع ومؤسسات. إنقاذ الشباب لا يكون بالتشهير أو العقاب فقط، بل بإصلاح جذور الأزمة: تعليم عادل، ودعم نفسي، واندماج ثقافي ورياضي، إعلام مسؤول، وسياسات تحترم الكرامة وتؤمن بقدرة الشباب على النهوض.

فربما آن الأوان، لا لمحاكمة الشباب الضائع فقط، بل لمحاكمة المجتمع الذي يتحمل جزء أكبر من المسؤولية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى