الرئسيةروبرتاجصحةمجتمع

بين حمارين وغياب النظام..فضيحة مركز صحي قروي بالخميسات

تحرير: جيهان مشكور

في مغرب الألفية الثالثة، وفبما تقول الدولة أنها في خطم ورش تعميم التغطية الصحية وتطوير البنيات التحتية، يطل علينا الواقع بمشهد يثير الدهشة ويطرح أسئلة جوهرية عن واقع البنية التحتية والخدمات الصحية القروية، حيث انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور ومقاطع فيديو لحمارين يتجولان بحرية في بهو المركز الصحي القروي بأولماس، الخاضع للمندوبية الإقليمية للصحة والحماية الاجتماعية بالخميسات، لو يكن الحدث مجرد لقطة طريفة أو استثناء عابر، بل كشف النقاب عن واقع مؤسف تكررت فيه مثل هذه الإشكالات في عدة مراكز صحية قروية بالمغرب.

بلاغ رسمي… ولكن!

ردًا على الفضيحة، أصدرت المندوبية الإقليمية للصحة بالخميسات بلاغًا توضيحيًا مليئًا بالمفردات الرنانة: “صرامة”، “جدية”، “إجراءات قانونية”، “كرامة المرفق”… إلى آخر المعزوفة الإدارية المعروفة، لكن ما لم يتطرّق إليه البلاغ هو “كيف ولماذا وصل الأمر إلى حدّ استقبال الحمير في فضاء مخصص أصلاً لشفاء البشر؟” وهل يكفي طرد الحمار وتطهير البهو لاستعادة هيبة المرفق؟ أم أن هذا “التطهير” مجرد تغطية صحية لمشهد مخجل؟

الواقعة في سياقها: ليس الحمار من خرق النظام، بل من كشفه

فلنكن واضحين: الحمار ليس مذنبًا. هو فقط استجاب لواقع لا يختلف كثيرًا عن حظيرته، البناية المفتوحة على مصراعيها، غياب الحراسة، غياب السور، وربما غياب روح المسؤولية أيضًا، فهل يُعقل أن مركزًا صحيًا يخدم آلاف المواطنين، حسب معطيات وزارة الصحة، لا يتوفر على أدنى شروط السلامة والأمن؟

واقع صحي ريفي هش… والحمار كشاهد على الإهمال

وفقًا لآخر تقارير وزارة الصحة المغربية، هناك نحو 2,124 مركزًا صحيًا قرويًا يخدم ملايين المواطنين في المناطق النائية، مع نسبة منخفضة بشكل مزعج للأطباء ، حيث لا يتوفر سوى حوالي 7 أطباء لكل 10,000 نسمة، في حين يوصي المعيار الدولي بـ17.5 طبيبًا لكل 10,000 نسمة.

هذا الفرق الهائل يعني أن العديد من المراكز الصحية، خاصة في القرى، تعاني من نقص حاد في الموارد البشرية، والتجهيزات الطبية، وحتى البنية التحتية الأساسية.

مركز أولماس ما هو إلا نموذج مصغر لهذا الواقع، حيث تتقاطع عوامل الإهمال البنيوي مع ضعف الرقابة والإدارة، ليظهر لنا هذا المشهد “الحميري” الذي يخدش صورة الصحة العامة في القرى.

بلاغ التهديد والوعيد: من تُحاسبون؟

الأغرب من الحادث ذاته، هو لهجة البلاغ الذي هدّد بملاحقة كل من “يشهّر” بالمركز والعاملين فيه، وكأننا أمام محاولة يائسة لـ”جرجرة” الرأي العام إلى قفص الاتهام بدل محاسبة المسؤولين الفعليين عن الفضيحة.

هل أصبح المواطن الذي يصور مشهدًا حقيقيًا وموثقًا هو العدو؟ وهل تُعاقب العدسة لأنها كشفت عورة المنظومة؟ لماذا لم نشهد مثل هذا الحزم في ضبط المرافق وتدبيرها بدل صبّه في مطاردة من فضحوا الخلل؟

كرامة المواطن… في انتظار دورها

حين يتحدث البلاغ عن “كرامة المرفق”، لا بد أن نسأل: وماذا عن كرامة المواطن؟ هل يُعقل أن امرأةً حاملًا أو مسنًا مريضًا، يدخل إلى مركز طبي فلا يفرّق بينه وبين زريبة ماشية؟ أين الوعود بتنمية العالم القروي؟ وأين هي المليارات التي تُرصد لـ”تأهيل القطاع الصحي” والتي بلغت، حسب قانون المالية لسنة 2024، 28.1 مليار درهم؟

رسالة الختام: احذروا الحمار… فهو لا يكذب

في النهاية، لا بد أن نشكر الحمير، لأنها ببراءتها وعدم إدراكها لحدود البروتوكول، عرّت واقعا صحيًا متهالكًا، كشفته الصورة قبل أن يغطيه البلاغ.


الحمار لم يتنكر لواجباته، لكنه بكل بساطة وجد في المركز ما وجده في الزريبة: مكانًا مفتوحًا بلا نظام، فدخل.

أما نحن، فلا زلنا ننتظر أن يدخل العقل، وتخرج لغة التهديد من البيانات الرسمية، ليُفتح تحقيق جاد لا في “من صوّر”، بل في من ترك أبواب الصحة مفتوحة للحيوانات وأقفلها في وجه الكرامة.

“مشهد من عمق المغرب المنسي.” أو ربما انه المغرب يا سادة

فهذه المشاهد ليست حكراً على هوامش المغرب المنسي، بل تتكرر في قلب كبريات المدن، حيث تُفترض الجودة وتُعلن الدولة عن تجويد الخدمات العمومية،يكشف واقع المؤسسات الصحية والتعليمية، بل وحتى باقي المرافق العمومية، عن مظاهر تدهور عميق طال البنية التحتية والخدمات الأساسية،

وقد كنتُ شاهدة على بعض هذه الصور الصادمة حين تابعت دراستي الابتدائية في مؤسسة عمومية تقع في وسط حضري، لا في قرية نائية، كنا نتقاسم الساحة في أوقات الاستراحة مع الدجاج والماعز، في مشهد يختزل حجم الاختلالات ويعكس هشاشة المحيط المدرسي في مؤسسات يُفترض أنها توجد داخل نسيج حضري متقدم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى