الرئسيةدابا tvروبرتاجمجتمع

الدار البيضاء هدم بلا رحمة..مطارق فوق رؤوس السكان + فيديو

حين يُكسر التاريخ ويُهدد الإنسان

بقلم: بثينة المكودي

في قلب المدينة القديمة بالدار البيضاء، حيث تختلط أصوات الحياة اليومية بنداءات الباعة وهمسات الأزقة، ينفذ إلى السمع صوت مختلف،  صوت مطارق تضرب جدرانًا وُلد فيها الناس، وعاشوا، وربما ماتوا دون أن يُسمح لهم حتى بالاعتراض.

هدم بوسائل بدائية، عشوائية، وفي غياب تام لشروط السلامة، لا للمارة ولا للعمال، ولا حتى للجدران المجاورة.

الصورة المأخوذة مؤخرًا من أحد دروب المدينة القديمة تلخص المأساة، ركام متناثر، ثقب في الجدار يفضح العشوائية، نوافذ مفتوحة، وغسيل منشور يوحي أن المكان لا يزال مأهولًا، ورغم ذلك، عملية هدم تُنفذ على بعد أمتار، دون حواجز، دون إشعارات، ودون أن يسأل أحد كيف يُمكن لساكنة الحي النجاة.

مطارق بدل الآليات وعمال  بدون الخوذات

ما يُثير الاستغراب ليس فقط أن الهدم يتم في أحياء مأهولة، بل أن الوسيلة هي مطارق حديدية يدوية تُستخدم من قبل عمال لا يرتدون أي معدات وقاية، وبدون اي إشراف هندسي، أجسادهم تقفز فوق الحطام، عيونهم تغطيها “الغبرة”، وأرجلهم تلامس الحواف المائلة دون أي خط أمان، إنها عودة إلى زمن ما قبل القانون.

من يراقب؟ من يحاسب؟

لا لافتات تحذيرية، لا شريط عازل، لا لوحة تُعلن الجهة المسؤولة عن الورش، فقط مطرقة وضربات، وساكنة قلقة تراقب تصدع جدران منازلها،  ومن لم يخرج بعد، يضع الأمل في أن لا ينهار جزء من بيته، ومن خرج يُحاول التأقلم مع واقع بلا تعويض ولا بديل.

الساكنة تُستَهدف دون صوت

هدم منزل سكانه ينشرون الغسيل

فاطمة، خمسينية من سكان درب البحيرة، تقول:

“كانوا يهدمون الجدار بجوار نافذتي والمطرقة تهتز معها الجدران. لم يخبرنا أحد. لو كان ابني نائمًا هناك، ربما مات.”

القصة نفسها تتكرر، الجميع يعلم أن بعض البنايات فعلا مهددة بالسقوط، لكن حتى البناية المهددة لا يجب أن تُهدم بدون تدبير، ولا وسط سكان لا يزالون يعلقون الغسيل، ولا بين أطفال يمرون بجانب الحطام دون دراية بالخطر.

مدينة تُؤهل دون احترام لأهلها

في الوقت الذي يُقال فيه إن الأشغال تدخل ضمن مشاريع “تهيئة” و”إعادة هيكلة”، لا أحد يرى الهيكلة على الأرض، فقط دمار، والساكنة لا تعرف إلى متى تظل محاصرة بالخوف، ولا إلى أين ستُرحل إن هُدم بيتها دون سابق إنذار.

ولتفادي الكارثة وتدارك الوضع قبل أن يتحول إلى مأساة أكبر، تبرز الحاجة الملحة إلى اتخاذ مجموعة من التدابير العاجلة. أولها، التوقيف الفوري لكل أشغال الهدم التي تُنفذ بوسائل بدائية ودون احترام لشروط الحماية، سواء بالنسبة للعمال أو السكان أو المارة. كما يجب أن تخضع كل عملية هدم لإشراف هندسي صارم، وتقييم تقني دقيق لحالة البنايات، لضمان أن التدخل يتم بناء على معطيات علمية وليس بقرارات ارتجالية.

إضافة إلى ذلك، من الضروري تجهيز جميع العمال بمعدات الحماية الفردية، من خوذات وأقنعة وأحزمة أمان، وتوفير شروط العمل الآمن، تجنبًا لحوادث قد تودي بحياتهم أو تتسبب في إعاقات خطيرة. ويُعد من واجب السلطات المحلية إشعار الساكنة مسبقًا ببرامج الهدم، مع منحهم مهلة للإخلاء، وضمان توفير بدائل سكنية مؤقتة وتعويضات منصفة تحفظ كرامتهم واستقرارهم.

ففي الدول التي تحترم مواطنيها وتضع سلامتهم في صلب أولوياتها، لا يُسمح بأي عملية هدم في أحياء مأهولة دون توفير ممرات خاصة ومغطاة تحمي المارة من تساقط الحجارة والغبار، كما يُشترط تطويق الورش بحواجز أمنية مشددة، وتُعلّق لافتات تحذيرية واضحة، حفاظًا على الأرواح والممتلكات،

من نيويورك إلى أمستردام، ومن باريس إلى طوكيو، تُعتبر الحماية المدنية جزءًا لا يتجزأ من أي مشروع عمراني، مهما كانت طبيعته أو استعجاليته.

جدير بالذكر أن التدخل في المدينة القديمة لا يمكن أن يتم بمعزل عن بعدها التاريخي والرمزي، ما يفرض توثيق معالمها المعمارية، وحماية تراثها المادي واللامادي، قبل أي عملية هدم، حتى لا يُمحى التاريخ بيد البلدية.

تؤكد جماعة الدار البيضاء في بلاغاتها الرسمية أن كل عمليات الهدم تتم وفق معايير السلامة، وتحت إشراف تقني، مع توفير معدات الحماية للعمال، وممرات آمنة للمارة، وإشعار مسبق للسكان.

 وتُشدد على احترام التراث المعماري وتوثيقه قبل أي تدخل.

لكن الواقع في المدينة القديمة يروي قصة مختلفة، مطارق يدوية، عمال بدون خوذات، جدران تنهار دون حماية، وأسر تُفاجأ بالهدم دون سابق إنذار. فالسؤال الذي يفرض نفسه: أين المدينة القديمة من كل ما تعِد به الجماعة.
في محاولة للاتصال برأحد أعضاء الجماعة لم نجد جوابا يشفي شغف السؤال.، كان الهاتف يرن ودون مجيب .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى