الرئسيةسياسة

توثر بين وزارة التعليم ونقابة مفتشي التعليم

في ظل احتقان متنامٍ داخل قطاع التربية الوطنية، يتزايد منسوب التوتر بين وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة من جهة، ونقابة مفتشي التعليم من جهة أخرى، في مشهد يعكس أزمة متجذرة تتجاوز المطالب الظرفية نحو تساؤلات أعمق تتعلق بمكانة جهاز التفتيش داخل المنظومة التربوية، وشكل العلاقة التي ينبغي أن تربط بين الفاعلين في الحقل التعليمي.

لقاء “التوضيح” دون أجوبة نهائية

وعُقد الاجتماع يوم الأربعاء 11 يونيو الجاري بين المكتب الوطني لنقابة مفتشي التعليم ومسؤولي الوزارة، في أعقاب انطلاق البرنامج النضالي الذي تبنته النقابة، و اعتبرته ناجحًا في مرحلته الأولى، ووفق بيان النقابة، فإن اللقاء لم يكن للتفاوض فحسب، بل لتقديم شروحات دقيقة حول خلفيات الاحتجاجات وخيارات التصعيد المقبلة، في ظل ما تعتبره النقابة “تماطلًا” في الاستجابة لمطالب طال أمد طرحها.

في حين أكد المكتب الوطني أن باب الحوار لا يزال مفتوحًا من طرفه، إلا أن لغة البيان حملت بين طياتها قلقًا من عدم جدية الوزارة، لا سيما مع غياب أي رد رسمي أو ضمانات عملية بشأن الملفات المطلبية التي تم طرحها، والتي تتعلق بإصلاح منظومة التفتيش وإعادة الاعتبار لدور المفتش التربوي في البناء المؤسساتي له للمدرسة العمومية.

تحذير من التوتر والاحتقان

ووجهت النقابة تحذيرًا صريحًا إلى الوزارة من مغبة التمادي في ما وصفته بـ”الأساليب الملتوية”، و في إشارة إلى محاولات محتملة لإفراغ البرنامج النضالي من مضمونه أو الالتفاف عليه بحلول ترقيعية لا تعالج جوهر الأزمة، كما دعت إلى التعامل الجاد مع هذه المرحلة الحرجة من خلال الاعتراف العلني بالأزمة ووضع آليات فعالة لمعالجتها، بما يضمن الاستقرار داخل قطاع استراتيجي وحساس مثل التعليم.

ودعا المكتب الوطني جميع المفتشين والمفتشات إلى الالتفاف حول النقابة، والاستمرار في تنفيذ البرنامج النضالي إلى حين توصلهم برد رسمي سيتم عرضه على أنظار المجلس الوطني لتحديد الخطوات القادمة.

إصلاح التفتيش أم المطالبة بامتيازات جديدة؟

هذا و يأتي هذا الحراك، في سياق أوسع من الاحتجاجات المتفرقة داخل القطاع، يضع الحكومة أمام تحدي التوفيق بين المطالب المهنية للفئات التعليمية، وبين إدارة التوازنات المالية والمؤسساتية لمنظومة ترزح تحت وطأة الإصلاح المتعثر، فمطالب المفتشين لا تقتصر فقط على تحسين ظروف العمل، بل تتجاوز ذلك إلى المطالبة بضمان استقلالية المهام وتكريس الدور الرقابي والبيداغوجي للمفتشين داخل النظام التربوي، وهي قضايا تعتبرها النقابة محورية في أي إصلاح تربوي جاد.

غير أن هذه المطالب لا تمر دون إثارة جدل داخل القطاع، خاصة في ظل الاتهامات الموجهة لبعض المفتشين بمقاطعة مهام تعتبر من صميم عملهم، كالمراقبة التربوية والمشاركة في برامج التكوين ومواكبة مدارس الريادة، رغم استفادتهم من امتيازات مالية معتبرة.

جدل التعويضات و”شرعية” الاحتجاج

فيما صرح مصدر من داخل الوزارة، بأن فئة المفتشين تحظى بوضع مالي مريح نسبيًا مقارنة بباقي موظفي القطاع، مستفيدين من زيادات غير مسبوقة في الأجور، وتعويضات مرتبطة بالامتحانات الإشهادية، إعداد المواضيع، المشاركة في التكوينات، ولجان الانتقاء، ومهام المواكبة التربوية، مما يجعل تعويضاتهم الشهرية في بعض الحالات تصل إلى ما بين 4500 و12 ألف درهم، تضاف إلى الأجور النظامية، في احترام تام للسنة المالية.

وهو ما يثير علامات استفهام حول التوقيت والدوافع الكامنة وراء التصعيد، بل ويطرح تساؤلات حول مدى توازن العلاقة بين الامتيازات الممنوحة والمسؤوليات المهنية المنوطة بالمفتشين، لاسيما في ظل تزايد شكاوى المواطنين من ضعف المردودية في الرقابة التربوية والتأطير المستمر.

مفترق طرق بين الإصلاح والشلل

الواضح أن الأزمة بين النقابة والوزارة لم تعد مجرد خلاف مهني، بل تحولت إلى اختبار حقيقي لمدى قدرة الدولة على التعامل مع مطالب الأطر العليا في القطاع التربوي، في ظل الحاجة الملحة لإصلاح شامل للمنظومة التعليمية، وتحقيق توازن بين العدالة المهنية والاستحقاق الوظيفي.

فإما أن تبادر الوزارة إلى حوار جدي يفضي إلى تعاقدات واضحة وقابلة للتنفيذ، تنزع فتيل التوتر وتُعيد فتح آفاق الثقة داخل القطاع، وإما أن يستمر منطق الشد والجذب، بما ينذر بتوسع رقعة الاحتجاجات ودخول قطاع التعليم في نفق لا يُعرف منتهاه.

وفي انتظار الموقف الرسمي للوزارة، تبقى أعين المتتبعين مشدودة إلى ما ستؤول إليه مخرجات اللقاء، وما إذا كانت ستسفر عن تسوية تُخرج الجميع من عنق الزجاجة، أم أن التصعيد سيكون سيد المرحلة المقبلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى