في أقاصي جبال الأطلس، حيث تنقطع الطرق قبل أن تصل التنمية، وتغيب الدولة إلا من أوراق الحالة المدنية، تعيش “مي فاطمة”، امرأة خمسينية تحمل على كتفيها عبء حياة كاملة، تستيقظ مع أول خيط للفجر، لا لتحتسي القهوة أو تتصفح هاتفها، بل لتجلب الماء من بئر التي تبعد عن بيتها الطيني ما يزيد عن كيلومتر، وتطهو “فطور”، وتذهب للحقل الذي ليس ملكا لها، لكنها تشتغل فيه كأنها المالكة.
في وجه فاطمة تجاعيد لا تحصيها سنوات العمر فقط، بل يضاعفها الفقر والتعب والإقصاء.
لم تجلس يوما لتتأمل الحياة، لم تُسأل عن رأيها، لا في السياسة، ولا في أبسط تفاصيل القرارات الجماعية التي تُتخذ باسم “السكان المحليين”بالرغم من أنها عماد المجتمع القروي، وزاد الأرض، وذاكرة الحقول، فهي تظل آخر من يُفكر فيه وأول من يُلقى عليه عبء الصبر.
“كنمشي للفران، كنرجع للدار، نغسل، نشطب، نطيب، نخدم الأرض… وفين غادي نقابل راسي؟ حتى طبيبة ما عندنا، لا طريق لا ضو لا والو”، تقولها بنبرة فيها من العتاب بقدر ما فيها من الانكسار.
استراتيجيات غائبة… أم مُغيّبة؟
ليست “مي فاطمة” استثناء، بل هي النموذج الذي لا يُعتمد في السياسات العمومية بالرغم من كثافته البشرية؟ عشرات البرامج التي تم إطلاقها على الورق، من التمكين الاقتصادي إلى محاربة الهشاشة، لم تجد طريقها إلى الواقع ، لا خطط شاملة، لا مقاربات تراعي خصوصية المجال، ولا استماع حقيقي لصوت المرأة القروية.
في كثير من الحالات، تظل المشاريع الموجهة للنساء مجرد أرقام في تقارير تُرسل إلى شركاء دوليين أو تُستعمل في الحملات الانتخابية، بينما الواقع، كما تقول إحدى النساء من نواحي تارودانت: “جابو لينا تكوين فالحلويات، لكن ما عندنا لا سوق لا كهرباء باش نخدمو كيعطيوك الزهر وكيقولك زرعيه فالحجر”.
المرأة القروية لا تطلب صدقة، بل حقوق إنسانية
هي لا تطلب شفقة، ولا تنتظر هبة، كل ما تريده هو الاعتراف بها كمواطنة كاملة، لها الحق في الصحة، والتعليم، والنقل، والعمل، والمشاركة،تريد أن ترى بناتها يكبرن في مدارس حقيقية، لا في مسافات طويلة تفصل البيت عن القسم.
المرأة القروية لا تطلب صدقة بل حقوق إنسانية
لكن إلى أن تُفتح هذه الملفات بجدية، وتُترجم العدالة المجالية إلى فعل لا إلى شعار، ستظل “مي فاطمة” وغيرها من نساء القرى، يواجهن قسوة الطبيعة واللامبالاة، بصبر يليق بالأساطير… وأسئلة لا يجيب عنها أحد.