بعض النقابات يارفيقي تتسابق على تحرير البيانات على ديدن دور الأزياء تتكيف مع آخر الصيحات…
وليكن الحدث نعي… لندبج برقية تعمم … لنقول نحن هنا… لنجامل حد العبث…
كان يكفي اتصال هاتفي… أو المشي في جنازة الراحل رحمه الله… وحضور وفد دسم ” صدقة العشاء الليلي…”
الجامعة الوطنية للتعليم – الاتحاد المغربي للشغل اتفحتنا بتحفة جديدة: بيان رسمي ليس للدعوة إلى إضراب، ولا لمطالبة بكرامة رجال ونساء التعليم، بل تعزية رسمية في وفاة “خال” رئيس الجامعة الوطنية للضمان الاجتماعي…
نقدم له التعازي… ونترحم على الفقيد…
البلاغ الموقع من المكتب التنفيذي، والممهور بتوقيع الكاتب العام ميلود معصيد ” يبدو أن له من العصيدة نصيبا، يبدأ على شاكلة خطبة جمعة: “بسم الله الرحمن الرحيم، إنا لله وإنا إليه راجعون…”، وينساب في عبارات قرآنية ومواساة روحانية، حتى يكاد القارئ ينسى أنه يقرأ بيانًا صادرا عن نقابة تعليمية، لا منشور تعزية من جمعية البر والإحسان.
وهنا، يحق لنا أن نسأل: متى تحولت “الجامعة الوطنية للتعليم” إلى “الجامعة الوطنية للتعازي”؟ هل أصبح النضال النقابي مرادفًا لإتقان طقوس الرثاء؟ هل صارت الاجتماعات التنفيذية تُعقد من أجل تحرير مراثي في أقارب المسؤولين بدل الدفاع عن آلاف أسرة التربية الوطنية بجميع أطيافها….عن ملفات مازالت عالقة… تستحق تعزية عاجلة.
والغريب أن من يجوز فيهم فعلاً إرسال برقيات عزاء ليسوا أقارب النقابيين، بل رجال ونساء التعليم أنفسهم، وكل من ينتمي إلى أسرة التربية والتكوين، ممن يعيشون يومياً فصول مأساة حقيقية تستحق النعي الجماعي:
أساتذة وأستاذات يتقاضون أجورًا مجمّدة منذ سنوات، تنهشها الأسعار والتضخم… وكل زيادة وهم… وجداول الحصص مرهقة… وموت رمزية المدرس، وتعرضه للعنف والنكران والجحود…
من ننعي المدرسة العمومية…؟ القيم؟ الوضع الاعتباري للمدرس وسط موجة العنف المادي والرمزي والتفقير المنهجي…؟
من ننعي معاشاتنا… موتانا الذي يسقطون كل يوم قبل الأوان… ؟
رجال ونساء التعليم الذين يقضون أعمارهم في الشوارع، بين الوقفات والمحاكمات… ؟ إداريون مكبلون بنظام أساسي مبهم، يموت طموحهم كل صباح في المكاتب المعتمة.
مربيات التعليم الأولي بلا حقوق، بلا أمل، بلا تأمين….ضحايا الزمن التربوي الملتبس؟
ضحايا المدرسة الرائدة التي تتنمط وتعمم التخلف المدرسي، وتغتال النبوغ والتميز،
من نعزي حقا
من نعزي حقا …، تلاميذ يُدرّسون في أقسام من قصدير، ومؤسسات لا ماء فيها ولا كهرباء… وأساتذة مرهقين بجداول حصص منهكة… ثم نكث عهد مراجعتها…؟
من نعزي…حقا… موت حلم التعويض عن المناطق النائية…؟
من نعزي…. الشهيد الذي ذبح أمامكم المسمى المادة 81؟
المريض المؤجل الموت السريري المادة 89…؟ ففي بلدنا وحده… ثمن الترقية اقتطاع وانخفاض الأجرة…
ربما كان عليك ان تعزي آباء فقدوا الثقة في المدرسة العمومية، ووزارة تُطوّر التعليم على الورق وتنسى الإنسان.
كل هؤلاء ينتظرون بيانًا حقيقيا من النقابة يتحدث عنهم، يرثي أوضاعهم، يدافع عن حقوقهم، يحتج على سياسات القهر والتهميش.
لكن لا شيء من ذلك يصدر، بل العزاء موجه دومًا إلى “خواصّ الناس” لا “عموم الشغيلة”.البيان لم ينسَ أن يذكر أن العزاء موجّه “نيابة عن عضوات وأعضاء المكتب الوطني”، وكأنهم مجتمعون باسم الأمة. ولولا السياق لظن القارئ أن مصاب “الخال” قد هزّ أركان الدولة. أمّا اللغة، فهي قمة في البلاغة البروتوكولية العقيمة: “خالص العزاء وأصدق المواساة القلبية”، بينما القلوب الحقيقية لرجال ونساء التعليم تُذبح يوميًا على محراب التهميش.
تخيلوا… أساتذة وأستاذات وكل المتدخلين في الفعل التربوي ينتظرون من نقابتهم بيانًا يرفض الاقتطاعات ويصحح الاختلالات، أو يندد بتجميد الترقية والهجوم على المكتسبات وضرب الوظيفة المركزية للمفتشين عمود المنظومة، أو يفضح العبث بالمنهاج ومصير وطن، فلا يجدون غير بيانات عزاء رسمية في أقارب مسؤولي النقابات. وربما ننتظر غدًا بلاغًا بعنوان: “تعزية في وفاة قطة رئيس الفرع الجهوي ، مع خالص دعائنا أن يسكنها الله فسيح حدائق الحيوانات الصالحة”.
حين تدفن هموم الشغيلة تحت أكاليل الورود البلاغية
إنها كوميديا بيروقراطية حزينة، حيث تُدفن هموم الشغيلة تحت أكاليل الورود البلاغية، ويُستبدل النضال النقابي بإدارة شؤون الموت. فبدل أن تكون النقابة صوتًا لصرخة أستاذ مكسور، تصبح نادياً يوزّع “الصلوات” و”الرحمات” كما لو أنها جمعية صوفية.
أيها السادة في الاتحاد المغربي للشغل، لقد أبدعتم في اختزال النضال إلى برقيات عزاء، وأثبتم أن الخطاب النقابي يمكن أن يتحول إلى نشرة وفيات. فرفقاً بالتعليم، ورفقاً بالكرامة المهنية، فليس كل فقدٍ فردي يستحق بيانًا وطنيًا… أما فقدان الثقة في العمل النقابي، فذاك مصاب لم نجد له لا تعزية ولا استنكارًا.
عزاؤكم يا شهداء بنود اتفاق ولد ميتا، فممثلو همومنا أصبحوا وكلاء جنازات…
ومع ذلك رحم الله كل موتانا..