اقتصادالرئسية

مغرب الغاز الطبيعي: تندرارة تدخل مرحلة الحسم

في تحول استراتيجي لملف الطاقة بالمغرب، تقترب منطقة تندرارة الواقعة بالجهة الشرقية من دخول نادي الدول المنتجة للغاز الطبيعي، حيث تسير الأشغال بخطى متقدمة نحو الشروع في الإنتاج خلال الربع الأخير من سنة 2025.

تراهن الحكومة على هذا المشروع لتعزيز السيادة الطاقية، بقيادة شركة “ساوند إنيرجي” البريطانية التي تمتلك 20% من الحصص، بالشراكة مع شركة “مانا إنيرجي”، في إطار رؤية متعددة الأبعاد تشمل الإنتاج، التسييل، والتصدير.

تسييل الغاز على الأبواب: خطوة أولى نحو الاستغلال التجاري

تشير المعطيات الصادرة عن “ساوند إنيرجي” إلى أن وحدة التسييل المصغرة (micro LNG) سيتم تشغيلها في شهر غشت المقبل، حيث بلغت أشغال البنية التحتية، خاصة خزان الغاز الطبيعي المسال، مراحلها الأخيرة. ويتوقع أن يبلغ الإنتاج اليومي الأولي 10 ملايين قدم مكعب من الغاز الطبيعي عالي الجودة، وهو ما يعد تطوراً نوعياً بالنظر إلى الوضع الحالي للاعتماد على واردات الغاز المستورد عبر ميناء المحمدية.

هذه الكمية، رغم تواضعها مقارنة بمعدلات الإنتاج في دول غازية كبرى، إلا أنها تمثل تجربة أولى من نوعها في المغرب ويمكن البناء عليها لتوسيع قدرات الإنتاج والتوزيع محلياً.

خط الغاز المغاربي–الأوروبي: مشروع موازٍ قيد التهيئة

على مستوى البنية التحتية الكبرى، يُعاد حاليًا تحديث دراسة ربط الحقل بمنظومة الأنبوب المغاربي–الأوروبي، الذي كان يعبر من الجزائر إلى أوروبا عبر الأراضي المغربية قبل أن توقف الجزائر إمداداته سنة 2021. وتطمح “ساوند إنيرجي” إلى توقيع العقود التنفيذية لهذا الربط في أفق نهاية سنة 2026، وهو ما يعزز فرص المغرب لتصدير فائض الغاز مستقبلاً نحو الأسواق الأوروبية في ظل التحولات الجيوسياسية المرتبطة بأمن الطاقة.

المرحلة الثانية: آمال معلقة على احتياطات جديدة

بالتوازي مع انطلاق أشغال الإنتاج، أعلنت الشركة دخول مرحلة ثانية من الحفر في بئرين إضافيين بمنطقة تندرارة، وسط مؤشرات إيجابية تشير إلى احتياطي مؤكد يتجاوز 7.6 مليارات متر مكعب،حيث ستحدد هذه المرحلة إلى حد بعيد مدى قابلية المنطقة للتحول إلى قطب غازي تنافسي على المستوى الإقليمي.

سيدي المختار: مشروع غازي آخر ينتظر التمويل

من جهة أخرى لا تزال الأنظار موجهة إلى مشروع سيدي المختار في الجنوب المغربي، و الذي لم يتجاوز بعد مرحلة الاستكشاف،حيث يعاني المشروع من تأخر نسبي بسبب انتظار تمويل بقيمة 6 ملايين دولار مخصص لإجراء دراسات زلزالية متقدمة، يُفترض أن تحدد جدوى الاستغلال التجاري للموقع، ومدى وفرة الاحتياطات الغازية به.

من الغاز إلى الهيدروجين والهيليوم: المغرب يوسع آفاقه الطاقية

وفي بُعد استراتيجي يتجاوز الغاز الطبيعي، تعمل “ساوند إنيرجي” على تطوير شراكة تقنية مع شركة جيتك، المتخصصة في استكشاف الهيدروجين والهيليوم، مستعملة تقنيات متقدمة تكشف توجه المغرب نحو تنويع مصادر الطاقة والانخراط في السوق العالمية للطاقات النظيفة والبديلة.

يتناغم هذا التوجه مع أهداف المغرب المعلنة لتعزيز استقلاليته الطاقية، وتقليص تبعيته لواردات الوقود الأحفوري، خصوصاً في ظل الاضطرابات المتكررة التي يعرفها السوق الدولي منذ الحرب الروسية الأوكرانية، وارتفاع الطلب العالمي على مصادر طاقة منخفضة الكربون.

بخروج غاز تندرارة إلى السوق، يدخل المغرب مرحلة جديدة في استراتيجيته الطاقية تقوم على ثلاثية: الإنتاج المحلي، البنية التحتية الذكية، والتنويع نحو طاقات المستقبل، وبين حقل واعد في الشرق، وآخر ينتظر التمويل في الجنوب، وشراكات تطرق باب الهيدروجين الأخضر، تبرز ملامح طموح مغربي للتموقع كفاعل طاقي إقليمي، في انتظار المرور من مرحلة الإمكانيات إلى زمن السيادة الفعلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى