الرئسيةمجتمع

بين متطلبات حماية الثروة السمكية والواقع الاجتماعي..جهة الداخلة على صفيخ ساخن

تحرير: جيهان مشكور

في مشهد يعكس التوتر العميق بين منطق العلم والحفاظ على الثروة السمكية ومتطلبات الواقع الاجتماعي، تضع وزارة الصيد البحري المغربية ملف صيد الأخطبوط والرخويات بجهة الداخلة وادي الذهب تحت مجهر التدقيق والقرارات الصارمة.

فالجهةٌ باتت على حافة أزمة اجتماعية واقتصادية تهدد استقرارها وأمنها الغذائي، نتيجة تضارب المقاربات بين الدراسات العلمية التي توصي بتدابير بيئية مشددة، وبين واقع ميداني ينبض بالاحتجاجات، في منطقة يعتبر فيها الصيد البحري شريان الحياة الوحيد لآلاف الأسر، فالتوصيات التي تبدو باردة في ظاهرها، اشعلت نيران الغضب في مجتمع يعيش على وقع التضييق وفقدان الأمل.

العلم يعزف نغمة الانذار.. والواقع يصرخ

عقدت كتابة الدولة المكلفة بالصيد البحري اجتماعاً بحضور الوزيرة زكية الدريوش، حيث ناقش خلاصات أبحاث علمية خطيرة حول تدهور مخزون الأخطبوط والرخويات على الساحل المغربي، وخصوصاً في جهة الداخلة وادي الذهب.

جاءت التوصيات صارمة وواضحة: تمديد فترة الراحة البيولوجية من أسبوعين إلى أربعة أسابيع، استبدال الأدوات البلاستيكية بأدوات صديقة للبيئة، وتعزيز المراقبة عبر كاميرات على متن القوارب.

لكن رغم الطابع العلمي للبحث، قوبلت هذه الإجراءات برفض جماعي من المهنيين والمنتخبين المحليين، الذين اعتبروا هذه المعطيات غير دقيقة وغير واقعية، متهمين الدراسة بتجاهل طبيعة الصيد التقليدي الانتقائي الذي حسب قولهم، لا يؤثر على التوازن البيئي..

من جهتها انتقدت جامعة غرف الصيد القرار محذرة من تأثيراته الاقتصادية والاجتماعية، خاصة ما قد يترتب عليه من بطالة جماعية تهدد آلاف الأسر.

“تناقض المعايير” وحالة الإرباك

في محاولة لتلطيف الأجواء، اقترح مسؤول داخل كتابة الدولة تقليص فترة التمديد إلى 15 يومًا فقط، مراعاة للحس الاجتماعي وضغط المهنيين، لكن النقاش لم ينتهِ هنا، إذ طالب الصيادون بالسماح بصيد “السيبيا” التي أشارت الإحصاءات إلى وفرة فاقت 280%، بينما رفض المعهد الوطني للبحث استثناء أي من الرخويات، مؤكدًا شمولية الحظر لضمان استدامة المخزون.

هذه التباينات بين جهتين رسميتين تعمّق الإرباك لدى الفاعلين المحليين، الذين تحدثوا عن “تناقض المعايير” و”تجاهل خصوصيات المناطق الجنوبية“، خاصة أن هذه المناطق عانت لسنوات من ضغط مفرط على المخزون البحري قبل أن يشهد تجددًا نسبيًا.

“تجميد التراخيص”.. جرح قديم يزداد عمقاً

في موازاة ذلك، فجر رد الوزيرة زكية الدريوش على سؤال برلماني غضبًا عارمًا داخل تنسيقية الشباب الصحراوي ملاك قوارب الصيد المعيشية بقرية “عين بيضاء”، حيث وصفت الوزيرة هذه القوارب بأنها “غير قانونية”، وأكدت أن تراخيص الصيد مجمدة منذ سنة 1992 بموجب القانون 59-14 والظهير الشريف لسنة 1973.

فيما اعتبرت التنسيقية هذا التصريح “صفعة سياسية واجتماعية”، إذ لم تأخذ الوزارة في الحسبان المطالب الحقيقية بتسوية وضعيات تلك القوارب التي تمثل مصدر رزق رئيسيًا لعشرات الأسر في ظروف صعبة، محذرة الوزارة من أن “الاحتقان بلغ ذروته” وأنها تتحمل “مسؤولية أي تصعيد ميداني محتمل”.

في هذا السياق صرح اخد اعضاء التنسيقية ان هذا ليس تهويلاً، فالأرقام و الإحصاءات الرسمية تشير إلى أن أكثر من 70% من سكان الجهة يعتمدون على الصيد كمصدر أساسي للعيش، في ظل بطالة متزايدة تزيد عن 15% على الصعيد الجهوي، مقابل عجز المؤسسات الحكومية عن توفير بدائل تنموية.

الداخلة بين المطرقة والسندان.. هل تنجح وزارة الداخلية في إطفاء الشرارة؟

جهة الداخلة وادي الذهب اليوم تقف على حافة انفجار اجتماعي قد يكون الأعنف، بين إرادة علمية حتمية للحفاظ على المخزون البحري، وبين واقع اجتماعي هش يعيش ضغطًا يوميًا بسبب قلة البدائل وتراجع فرص الشغل.

فهذه الجهة ليست مجرد منطقة سياحية أو جغرافية على الخريطة، بل هي مجتمع كامل يعيش ويتنفس من ثرواته البحرية. في ذات السياق تشير أرقام وزارة الفلاحة إلى أن الصيد البحري يساهم بأكثر من 30% في الناتج المحلي الإجمالي للجهة، ويشغل بشكل مباشر وغير مباشر أزيد من 25 ألف شخص ومع كل قرار يقيد نشاط الصيد، تتزايد معاناة هذه الفئة في ظل افتقار الحكومة إلى خطط تنموية بديلة واقعية ومستدامة.

في ظل هذه المعضلة، تبدو الحاجة ماسة إلى حوار مؤسساتي مسؤول يشرك كل الأطراف: وزارة الصيد، الباحثين، المهنيين، المنتخبين، وممثل الدولة في الجهة، فمن غير المقبول أن يبقى والي جهة الداخلة خارج أي معادلة تصحيحية تمنع انزلاق المنطقة إلى فوضى اجتماعية قد يصعب التحكم فيها، في وقت لم تستطع فيه كتابة الدولة ولا الوزارة الخروج بحلول وسطية ترضي الجميع وتحمي المصالح الوطنية والحقوق الاجتماعية.

بين العلم والحس الإنساني

ملف الصيد البحري في الداخلة ليس مجرد قضية بيئية أو اقتصادية، بل هو جرح مفتوح يعكس هشاشة النسيج الاجتماعي في المناطق الساحلية التي تعيش على هامش الدولة، و القرار البيئي العلمي لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار الواقع الاجتماعي والإنساني الذي يعيشه المواطنون هناك، وإلا ستتحول القرارات إلى ألغام موقوتة تهدد استقرار المنطقة بأسرها.

في انتظار تدخّل حكومي أوسع وأشمل، يبقى السؤال: هل سيُكتب لهذا الملف أن يتحول من صراعٍ اجتماعي واقتصادي إلى حوار وطني شامل يوازن بين استدامة البيئة وضمان كرامة الإنسان؟ الوقت ليس في صالح الجميع، والداخلة لا تتحمل المزيد من الاحتقان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى