الرئسيةسياسة

مرة أخرى السيمو أمام محكمة جرائم الأموال

تحرير: جيهان مشكور

في واحدة من أكثر المحاكمات إثارة للجدل، شهدت قاعة الجلسات بمحكمة الاستئناف بالرباط، الاثنين الماضي، فصلاً جديداً من فصول العبث بالمال العام، حيث وقف محمد السيمو، رئيس جماعة القصر الكبير ونائب برلماني عن الإقليم، أمام غرفة جرائم الأموال، متهمًا باختلاس وتبديد المال العام، رفقة 12 شخصاً آخرين، بينهم منتخبون ومستشارون جماعيون، في ملف تتشابك فيه خيوط الزبونية، الجهل، واستغلال النفوذ.

“مستوى تعليمي بسيط”… هل هو عذر أم إدانة؟

من أولى المفارقات الساخرة في هذه الجلسة أن دفاع السيمو لجأ إلى تبرير تورط موكله في صفقات مشبوهة بكونه “ذو مستوى تعليمي بسيط”، لا يفقه شيئاً في المالية أو المحاسبة، وهو دفاع لا يخلو من السخرية، لأن من يتقلد منصب رئيس جماعة وبرلماني لا يُفترض أن يكون “أمياً في التسيير”، بل ملماً بالقوانين التي تحكم المال العام والصفقات العمومية، فهل أصبح الجهل بالمسؤولية حصانة من المحاسبة؟

إن مثل هذا الدفاع يفتح نقاشاً وطنياً حول أهلية من يتقلدون مناصب المسؤولية، وحول الغياب الفعلي لأي شرط للكفاءة أو التكوين في تولي مهام تسيير الشأن العام، فإذا كان من يسير ميزانيات بملايين الدراهم لا يميز بين بنود الميزانية، ولا يفهم لغة الوثائق التي يوقعها (والتي قال إنها محررة بالفرنسية!)، فإن الكارثة لا تكمن فقط في الشخص بل في النظام الذي أوصله.

جمعيات على المقاس وتمويل من المال العام

لم يتوقف دفاع السيمو عند “الجهل المحمود”، بل حاول تبرير دعم الجماعة لجمعيات أسسها أقارب مستشارين جماعيين، بحجة أن القانون يمنع فقط دعم الجمعيات التي يوجد فيها المستشارون بشكل مباشر، أما غير المباشرين (الأقارب، الأزواج، الأبناء…) فلا مانع! السيمو نفسه أقر بأنه لم يكن على علم بأن المستفيدين من الدعم قريبون من المنتخبين.

وهنا يتضح أن المال العام كان يوزع بسخاء على جمعيات تُفصّل على المقاس، لتستفيد منها شبكات محسوبة على المجلس الجماعي، في استغلال فج للثغرات القانونية.

أين هي الحكامة؟ أين هي النزاهة؟ وماذا عن المواطنين الذين لا يجدون دعماً لأنهم لا ينتمون إلى “العائلة السياسية”؟

النيابة العامة تطالب بأقصى العقوبات

لم تتردد النيابة العامة، ممثلة في الوكيل العام، في المطالبة بإنزال أقصى العقوبات في حق السيمو، ووصفت الملف بأنه يحمل “بصمات جرائم مالية واضحة”، في إشارة إلى الصفقات المريبة التي أبرمتها الجماعة تحت إشراف الرئيس، والتي ستُحسم في جلسة النطق بالحكم بتاريخ 14 يوليوز الجاري.

وتعود فصول القضية إلى تحقيقات باشرها قاضي التحقيق بناء على تعليمات الوكيل العام، بعد تقارير من الفرقة الجهوية للشرطة القضائية، التي استمعت إلى السيمو، ليس فقط بصفته رئيس جماعة، بل أيضاً كنائب برلماني، ما يطرح أسئلة حول الحصانة البرلمانية وحدودها حين يتعلق الأمر بجرائم المال العام.

دموع تحت قبة المحكمة… هل تغسل جرائم الفساد؟

و حسب مصادر متطابقة، فأن المثير في الجلسة السابقة، أن السيمو لم يتمالك نفسه وأجهش بالبكاء أمام الهيئة القضائية، في مشهد استدرّ الشفقة، و تطلب تدخل أحد محاميه لإعادته إلى توازنه، حيث ربط دفاعه ذلك مرة أخرى بضعف مستواه في اللغة الفرنسية، وهو ما زاد من سخرية المتابعين، لأن التوقيع على وثائق لا يُشترط فيه أن تكون “مفهومة” بقدر ما يُشترط في صاحب التوقيع أن يعرف ما يوقع عليه، أو يمتنع عن التوقيع حتى يتأكد.

صفقات وتفويتات مخالفة للقانون

من أبرز الوقائع المتابع بها السيمو اقتناء الجماعة لقطعة أرضية من أحد المستشارين الجماعيين، وهو ما يخالف صراحةً القانون، الذي يمنع أي تعاملات تجارية أو مالية بين الجماعة وأعضائها أو موظفيها، ومع ذلك، مرّت الصفقة وكأن شيئاً لم يكن، في دلالة على تغلغل منطق “القبيلة السياسية” و”عفا الله عما سلف” في دواليب التسيير المحلي.

فساد محلي يلتهم التنمية ويعصف بالثقة

هذه القضية ليست مجرد ملف جنائي، بل هي مرآة لواقع اختلالات الجماعات المحلية في المغرب، فحين تُبرم الصفقات في الظلام، وتُوزع المنح بالمحسوبية، وتُوقع الوثائق من مسؤولين لا يفقهون محتواها، نكون أمام خلل بنيوي عميق، خلل يتسبب في هدر ملايين الدراهم من أموال دافعي الضرائب، ويغذي اليأس الشعبي من جدوى الانتخابات والمؤسسات.

بلغت ميزانية جماعة القصر الكبير في سنة 2023، حوالي 80 مليون درهم، حسب معطيات وزارة الداخلية، وهي ميزانية كان يمكن أن تغيّر وجه المدينة المهملة، لولا أن جزءاً منها ذهب لتغذية “الجمعيات الأشباح” وصفقات مشبوهة، وسط صمت وتواطؤ.

نحو حكم منتظر… وضمير مجتمعي على المحك

في انتظار ما ستنطق به هيئة الحكم يوم 14 يوليوز، يبقى السؤال الجوهري: هل سيتحول هذا الملف إلى عبرة تؤسس لمرحلة جديدة من المساءلة وربط المسؤولية بالمحاسبة، أم سيتحول إلى حلقة أخرى في مسلسل “عفا الله عما سلف”؟

المواطنون الذين فقدوا الثقة في منتخبين لا يملكون سوى “البكاء” أو “الجهل” للدفاع عن أنفسهم، يستحقون أكثر من ذلك. يستحقون عدالة تنصف المال العام، ومؤسسات لا تُدار بالعواطف، بل بالكفاءة والنزاهة.

اقرأ أيضا…

بتهم اختلاس وتبديد اموال عمومية…الغلوسي: إحالة رئيس جماعة القصر الكبير للمحاكمة ومن معه يتطلب النجاعة والفعالية وآجالا معقولة في سيرها

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى